أحمد بن عبدالرحمن الجبير
تشير التقارير الاقتصادية أن السعودية، كانت من أكبر الدول المانحة، وأنها قدمت في السنوات الأخيرة أكثر من 25 مليار دولار كمساعدات، وهبات وإعانات إلى دول كثيرة، من خلال المنح للدول العربية، والإسلامية والنامية، بما يعادل نسبة 1.9 % من الناتج الإجمالي للمملكة واستفادت منه أكثر من 80 دولة، والتي وضعت المملكة بالمراتب الأولى عالميا في تقديم المساعدات، وجعلت من السعودية مملكة الإنسانية.
فالدعم السعودي السخي والكبير التي تقدمه حكومة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان - حفظه الله - للدول العربية، والإسلامية والنامية يتجسد في المعنى الحقيقي للعطاء والمساعدة خاصة عندما يصل لمستحقيه، ويساهم في نمو اقتصاد هذه الدول، والذي يعتبر على عكس القروض الدولية، بفوائد عالية التي بسببها يتراكم عليها الديون، وتزيد من الأعباء على كاهل تلك الدول المستفيدة، وتضطرها للخضوع لبرامج التصحيح.
فالمساعدات التي تقدمها المملكة للدول النامية لا يترتب عليها ديون أو فوائد كبيرة، وهذا النوع من المساعدات التي تقدمها المملكة تعتبر مساعدات إنسانية، ولها أثر كبير في نمو اقتصاديات تلك الدول، ودعم لتمويل المشروعات التنموية، والمحافظة على البنى التحتية، وزيادة القدرة الإنتاجية، والحد من ارتفاع الأسعار ومعدلات التضخم، وخلق فرص عمل ووظائف لمواطنيها، ورفع معدلات النمو الاقتصادي للدول المستفيدة.
فالكثير من المشاريع التي يتم تنفيذها من قبل المساعدات السعودية في تلك الدول هي من أجل تطوير بنيتها التحتية، ومؤسساتها الإدارية والأمنية، وإعادة الإعمار فيها من بناء المدارس والجامعات والمستشفيات، والمراكز الصحية، وبناء المجمعات الإسلامية، والمساجد، والمدارس القرآنية، ومشاريع الأسر المنتجة، وتشييد الطرق والسدود، والتركيز على جميع مشاريع التنمية الاقتصادية المستدامة.
ولكن للأسف الشديد أن الذي يحصل أن هناك من يتلاعب ببعض المساعدات من بعض ضعاف النفوس في تلك الدول، فكم من المليارات السعودية قدمت، واتضح بأن جهات رئيسة تسطو عليها، ويستفيد منها المحسوبون على تلك الجهات، ولا تذهب المعونات لمستحقيها، ولا أحد يعلم عن مصيرها، وما حل ببعض المساعدات المالية السعودية التي منحت لبعض الدول التي حل بها الدمار من جراء الكوارث والحروب، حتى ازدا الفقير فقرا، والغني يزداد غنا، وتذهب مساعداتنا إلى جيوب من لا يستحقها، بينما تربط دول أخرى مساعداتها بخطة تنموية تشرف عليها مباشرة.
كما أن بعض المواد الإغاثية التي قدمتها المملكة لمساعدة المتضررين من جراء السيول والفيضانات والزلازل والحروب تعرضت لعمليات نهب وسرقة من ضعاف النفوس، حيث إن العديد من الفقراء والمحتاجين في تلك الدول يسمعون عن التبرعات السعودية، ولا يرونها، حتى أن المواد الغذائية لا تصلهم، وتنتهي صلاحيتها قبل أن يتم استهلاكها من قبل بعض الفاسدين والمجرمين.
لذا نتمنى إنشاء صندوق متخصص بالمساعدات السعودية، كالصندوق السعودي للتنمية، يشرف عليه سعوديون بالتعاون مع مؤسسات المجتمع المدني السعودي الموثوق بها لإيصال المساعدات والمعونات لتلك الدول، ويفترض أن تتحول هذه المساعدات إلى حزمة من المشاريع الاقتصادية يقوم بتنفيذها، والإشراف عليها الصندوق، حتى تعرف الشعوب المستفيدة من المساعدات السعودية حجم هذه المعونات ومردودها، وعائدها على التنمية في بلادهم، ويدركوا الدور السعودي الهام، والبارز في مجال تنميتهم الاقتصادية.
ويفترض أن تكون هناك جهات رقابية سعودية تراقب المساعدات، وتنشر معلومات تفصيلية حول كيفية إنفاق المساعدات، والكيفية التي تصرف بها المعونات المقدمة للمحتاجين، فالكثير من المعونات تصل متأخرة لأسباب إدارية، وأحيانا لا تصل، وتذهب مساعداتنا إلى من لا يستحقها، كما أن غياب التفصيلات، وغياب الإعلام الحقيقي، جعلها مجهولة لمواطني تلك الدول، بينما مساعدات قليلة من دول أخرى، تجدها معلومة ومرحب بها، ومدونة ومكتوبة، ويجري تأكيدها بطرق عديدة.
ويجب أن تكون لدينا خطة إستراتيجية لهذه المساعدات، وأن يكون لها ثمار سياسية ايضا، وأن نعرف كيف وأين تصرف هذه المساعدات، ومنع الاستيلاء عليها من بعض الفاسدين، ويمكن للصندوق أن يكون له مكاتب في البلد المنكوبة والمتضررة، وايضا الدول التي تمنح لها مساعدات للمشاريع التنموية، ويجب أن يتم تعيين لها أناس أكفاء وأمناء، ويكونوا هم الجهة المخولة بالدفع والصرف، وإنشاء المشاريع، ولا تعطى المساعدات لأشخاص غير أمناء في تلك الدول.
فبعض المشاريع التي تم تنفيذها في بعض تلك الدول لا ترقى إلى حجم الأموال التي قدمت لها والتي تهدف إلى تطوير البنية التحتية فيها، ونتمنى أن يكون هناك تنسيق بين صندوق منح المساعدات السعودية، وهيئة المقاولين السعوديين، والتجار والمصانع السعودية، ومجلس الغرف، لتأهيل شركات مقاولات سعودية، وايضا تجارية وصناعية للمساهمة في تنفيذ مشاريع المساعدات السعودية في الخارج، وتزويدهم بأسماء الشركات والمؤسسات السعودية القادرة على تنفيذ المشاريع.
ويفترض توفير مواد البناء والتشييد، وقطع الغيار، والمستلزمات الأخرى لهذه المشاريع من السعودية من أجل المساهمة في تعزيز وتنمية الاقتصاد الوطني، وتشغيل الشباب السعودي في هذه المشاريع، وتوفير الوظائف المناسبة لهم، وحل مشكلة البطالة، كما تفعل الدول المتقدمة عندما تمنح أي مساعدات دولية للدول النامية، كل ذلك من أجل أن يستفيد منها الاقتصاد الوطني والمواطن.