«الجزيرة» - فهد الشويعر:
ما يجذبك للكتابة عن بعض الفنانين أو أعمالهم هي حالة الرغبة في الغوص ببعض تاريخهم الخفي والمشرق وأيضاً بعض كلمات أغانيهم التي تحاكي الذوق العالي، وكذلك الإبداع في رسم وصلات ألحانها الأمر الذي يستصعب على كثير من أهل الفن المحافظة عليه باستمرار. وكثير من الفنانات مع بعض الأعمال التي أخذت حقها من الإعجاب الجماهيري لم تجد حقها من الكتابة عنها أو محاولة التعبير عنها كوطن رئيس لجمال اتفق عليها الكثيرون والتي تحاكينا في حياتنا ويومياتنا، وهي التي تبقى كظاهرة تعيدنا إليها حاجتنا للإبحار في عالم الفن الأصيل أو الرائع إن حسنَ التعبير.
فنانون كُثرٌ يتوارون عن الأنظار والأسماع لفترة من الزمن ولهم الجملة ومن الأعمال لا تكاد تخلو من مكان رائع للسحر يأخذك إلى عالم أصيل من الطرب الجميل والشيق والمميز، فعلى الرغم من الاختلاف الشاسع في الأذواق إلا أن فنانين وأعمالاً معينة لا تكاد تجد أيه اختلافات أو خلاف حول جمالها لما تمتلكه من تميز ونجاح وتكامل لعناصرها أداء وكلمات وألحاناً، والبحث عن مثل هذه الأعمال لا يكاد يغفلك عن زاوية رائعة احتضنت عملاً مميزاً أعاد بها إلى الأضواء بعد غياب طويل لفنانة رائعة بحجم نجاة.
هي الرسالة العذبة لماضٍ واجه إعصار الحياة وموجات اختلافات وطرق جميع الأبواب وجعل النداء الأخير رقيقاً من محب شعر بالخوف على حبه من عدم الاستمرار والشتات بعد حياة محاولات مختلفة بكل أنواع الحب والذكريات الرائعة التي اصطدمت بمر الواقع:
كل الكلام قلناه
وادينا زي محنا
لا يوم جميل عشناه
ولا طبيب لجراحنا
وفي لوحة جميلة رسم ملامحها الشاعر الراحل عبد الرحمن الأبنودي الذي كثيراً ما تجد في شعره شيئاً يدفعك دائماً إلى الترديد معه في صور رائعة وجمل مميزة حملتها أطراف قصائده قررت الفنانة نجاة أن تتعاون معه من جديد بعد آخر تعاون بينهم في أغنية (عيون القلب).
النداء الصريح بأن البحث الدائم عن الكلمات التي لا تنبع من القلب الصادق ولا يتبعها أفعال لا تُؤتي ثمارها ما يجعل الألم يستمر برغم الزخم الكبير من كلمات الحب:
حبيبي أنت
غاوي دائما
تقول كلام
لو الكلام
بيداوي
ليه حسه بآلام
كل الكلام قلناه
فكان الموضوع في البحث عن الحل واضحاً بطرق جميع أبواب العتاب الذي يرى أنه ربما يعود بالمياه إلى مجاريها، لكن هذه المحاولات باءت بالفشل بعدم زوال الألم وعدم توقف الأذية في مشاعر الحبيب:
إن كان على العتاب
عاتبتك لما ذوبت
لا جرح قلبي طاب
ولا أنت تبت
ويكفيك أن تعرف أن الجمال إذا ما وجد ظهوراً وجد أمامه الملحن الكبير «طلال» الذي يحمل قواسم الطرب ولقي في صوت الفنانة الكبيرة نجاة ضالته بأغنية (كل الكلام) الذي يُعد التعاون الأول، استحسان الآلاف من المعجبين والمتذوقين للفن الراقي وكانت هذه الرائعة من بين ثلاثة ألحان استمعت لها الفنانة نجاة من مهندس النغم طلال، وهي أغنية (كل الكلام) ومن توزيع موسيقى يحيى الموجي وأخرجها تليفزيونياً هاني لاشين.
تقديم مفاتيح التسامح وتطويع الذات إلى جمال العيش في كنف الآخر وتكذيب النفس وما تتألم به من أجل ما هو أجمل منها وأعذب:
وأنا برقة كلامك
بتخليني أعود
وأكذب جرح قلبي
وأصدق وعود
عندما تكون الكلمة فوق الوصف والخيال تخلق شيئًا من اللا شعور بنكران ما يعيشه المرء من الألم والدخول إلى عالم مفعم بالحب وتكذيب ما تشعر به من ألم وجراح حقيقية بكلام يتناثر في الوجدان بحثاً عن استمرار الترابط بينهم:
منين بتجيب كلامك
كلام جميل بيعجب
خلاني أقول لجرحي
يا جرحي ليه بتكذب
صراع بين الذات والقلب بأن ما تشعر به مخالف عن الحقيقة وما ساورها من خوف بأي طريق تسلك، الذي قد لا تعلم من خلاله ما يخفي لها القدر في استمرار التجانس بينهم، أم أنها ستصحو يوماً وتجد نفسها وحيدة في طريق مخيف:
كذبك غريب
وياما خذني
لأحلام سعيدة
وأخاف أمشي في طريقي
وأرجع منه وحيدة
أغنية «كل الكلام» استغرق تنفيذها عامًا كاملاً لتظهر في صورتها النهائية، وأن مراحل العمل في الأغنية من تسجيل الصوت والألحان والوتريات، تم في عدة مواقع واستوديوهات مُتخصصة بين مصر وفرنسا واليونان، وتابعت نجاة كل تفاصيل ومراحل التسجيل، وكأنها تصدر ألبومها الأول.