ميسون أبو بكر
لم تكن علاقتي بدولة الكويت عبر قصص البحر والنوخذة واللؤلؤ الذي اشتهرت به والتي غرمت بها منذ نعومة أظفاري، أو عبر التاريخ الذي استهواني وقصة الملك المؤسس عبدالعزيز -طيّب الله ثراه- الذي وقف على مشارف الرياض مغادرا للكويت وهو يعد نفسه أن يعود وتحقق حلم العودة ووحّد مملكة بحجم قارة.
الكويت ليست فقط مسقط رأسي بل لي معها ألف حكاية حب، وألف ألف ذكرى خبأت؛ كثيرها في مدرستي وفي بيتنا الذي غادرناه في عام 1985، وفِي الاستاد الرياضي الذي كنت أشارك طالبات مدارس مختلفة في حمل الرايات التي تشكّل لوحات فنية في المناسبات الوطنية، كما في صالات الرياضة التي كنت أشارك زميلاتي مسابقات الباليه والجمباز ومازلت إلى الآن أحتفظ بحذاء الباليه وبطفلة تستيقظ كلما فتحت صندوق الذكريات وبعثرت عطر طفولتي وكتيبات وقّع لي على صفحاتها معلماتي وكل من مر بي وبطفولة كان زاخرة بالنشاط والتميز.
كلما رأيت سارية تذكرت نفسي وأنا أحمل العلم على كتفي وأدفع بِه الى القمة ليعانق عنان السماء، وكلما سمعت نشيد الكويت سارعت لترديده
وطني الكويت سلمت للمجد...وعلى جبينك طالع السعد..
لا أدري من يجمّل من ؟ الذاكرة تجمل الطفولة أم الطفولة تجمل الذاكرة؟
في جزء ما من الذاكرة وكالحلم تجلس طفلة صغيرة في ركن من مكتبة مدرسة الجهراء يشغلها كتاب الشمس عن زوار المكتبة من الموجهين وشخصيات بارزة في الوزارة تتفقد المدرسة، فيثير دهشتهم وأسئلتهم حول الكتاب الذي شغلني عمن حولي، - فأجيبهم أن الشمس عند الغروب تذهب لتنام في سريرها!!.
القراءة والمطالعة والشعر والإعلام هي المكونات الأولى للثقافة التي تتميز بها الكويت التي لها الريادة فيما ذكرت وكذلك الفن والموسيقى.
والإعلامية التي صرتها هي تلك الطفلة ابنة السابعة التي اختارتها الأستاذة شيخة الشطي مديرة المدرسة في عام الطفل 1979 لتقوم بزيارة صحفية إلى وزير التربية والتعليم آنذاك الأستاذ جاسم المرزوق فأطلق علي « أصغر صحفية بالكويت ونشرتها عدد من الصحف والمجلات منها مجلة أسرتي، وكانت تلك هي الانطلاقة لي في عالم الإعلام.
كانت رحلتي الأخيرة إلى الكويت بدعوة من الأستاذة أسماء حبشي رئيسة اتحاد الإعلاميات العرب الذي احتضنته الكويت تحت مسمى «الإعلام والعنف» تحت رعاية سامية من رئيس مجلس الوزراء وحضور وزير الإعلام الكويتي ووزير الدولة لشؤون الشباب الشيخ سلمان الصباح، وكان المحور مهماً جدا بالنسبة لي نظرا لنشاطي الإعلامي في برامجي ومقالاتي وندواتي حول الإعلام الإرهابي الموجه ضد المملكة، ومكائد إيران وأحزابها في المنطقة لزعزعة الأمن والتدخل في الشؤون الداخلية لدول الخليج.
أعادت لي هذه المناسبة كل ما أحمله من ذكريات عذبة وتجلى ما صرت إليه في المجال الإعلامي من نشأة واثقة شكلت ثقافتي وحفزت موهبتي، ومن عرى وثيقة تعود بي للكويت التي يحمل عمودي الصحفي في نافذتي هذه بالجزيرة اسم « الأشرعة» وهي التي تلون خليج الكويت بالبياض وبالمراكب التي تتزاحم على موانئها.
حرصت مع عضوات اتحاد الإعلاميات وبرفقة السيدة المضيفة رابعة الجمعة رئيسة فرع اتحاد الإعلاميات في الكويت على زيارة مركز الشيخ جابر الأحمد الثقافي (أو دار الأوبرا الكويتية) الذي حضر فيه الملك سلمان بن عبدالعزيز -حفظه الله- الفعاليات التي أقامتها دولة الكويت وقت زيارته ترحيبا به والتي تابعناها وتابعها العالم عبر شاشات التلفاز، لوحنا بكف القلب للملك المحبوب والقائد الاستثناء في ضيافة أخيه الشيخ صباح الصباح باركه الله ودولته الحبيبة التي تأبى إلا أن تترك بصماتها في قلوبنا وأرواحنا كذلك.
تُذكر الكويت ويُذكر كبار مثقفيها وفنانيها وإعلامييها وروادها، يتراءى الخليج مرآة لأهله الطيبين، وتمد الذاكرة الجسور مع الحاضر بكل عبقها، وتتجلى الأخوة في أجمل صورها.
حمى الله خليجنا وجعله قوة واحدة صامدة في ظل ما يواجه من تحديات.
من آخر البحر:
أطلق أنوثتي كحدائق اللافندر
مثل الغمام في ليلة تبشر بالمطر
مثل الشمس جداولها منثورة على كتف الجبل
ومرآة البحار الآسنة
أطلق قلبي كما الريح تفر من قبضة الصمت
وأغفر لكل المخطئين بحق قلبي
لأن البداية إليك والنهايات أنت