د. زايد الحارثي
لا شك أن المتابع لسلسلة المقالات التي سبق عنونتها حول التعليم في ماليزيا كنموذج وتجربة ناجحة يتبادر إلى ذهن القارئ مدى صلابة البنية التحتية للتعليم في هذه الدولة الآسيوية ويستطيع أن يستنتج العلاقة المتينة بين تطور وازدهار ماليزيا وبين قوة التعليم فيها واهتمام الحكومة بهذا القطاع ما جعلها جنباً إلى جنب مع سنغافورة وكوريا الجنوبية بل وحققت ماليزيا بجانب قفزاتها النوعية في مجال التعليم وجمعت بين تفوقها في التعليم مع المحافظة على قيم ومبادئ الدين الإسلامي ويظهر ذلك للجميع من خلال مبانيها الجميلة ذات الفن المعماري الإسلامي إلى المساجد المجهزة بوسائل تقنية وتعليمية حديثة والتي تبنى في حرم الجامعات كل هذا يوضح الهم الذي تحمله ماليزيا في استعادة ريادة الأمة وقيادتها في مجال العلم والمعرفة.
واستطاعت ماليزيا أن تكون قبلة للطلاب الدوليين والمنصة المثالية والبيئة الملائمة في 30 جامعة حكومية و70 جامعة خاصة و34 كلية جامعية خاصة و410 كلية خاصة و91 كليات المجتمع و14 مراكز للتميز والإبداع و33 معهدا تقنيا كل هذا المؤسسات التعليمية استقطبت إلى الآن 150 ألف طالب دولي نستطيع القول إنهم نسيج من الثقافات والحضارات والعادات والتقاليد التقوا في قلاع ماليزيا التعليمية وحصونها التربوية.
طموح ماليزيا في استقطاب المزيد من الطلاب الدوليين ليصلوا إلى أكثر من 200 ألف في السنوات القادمة يعكس مدى قدرة هذه الدولة على الاستثمار الحقيقي في التعليم الذي تجاوز العوائد والأرباح المالية إلى جودة برامجها وتميز تخصصاتها بل وصل التنافس بين الجامعات ومؤسسات التعليم العالي في ماليزيا إلى حد التفرد ببرنامج وتخصص لا تستطيع أن تعثر على نسخة مشابهة منه في جامعة أخرى فجامعة تناجا الوطنية في ماليزيا «University Tenaga Nasional» يوصي بها خبراء التعليم والمختصين في الكهرباء بدراسة الهندسة الكهربائية، حيث تشرف عليها شركة تناجا ناشونال وهي إحدى أكبر شركات توليد الكهرباء في ماليزيا وتعتبر هذه الشركة بالذات من كبرى شركات جنوب شرق آسيا.
ولمحبي التقنية والتكنولوجيا وعلوم الحاسوب فجامعة ملتميديا MMU «الوسائط المتعددة « والتي تديرها شركة الاتصالات الماليزية سيجدون ضالتهم في هذه الجامعة التي تعتبر من الطراز الأول في هذه التخصصات.
ومما لاشك أن الكثير سمع عن شركة النفط الماليزية الوطنية «بتروناس» والتي تتخذ من برجي ماليزيا مقراً لها، فهذه الشركة النفطية العملاقة تدير أهم الجامعات بماليزيا في تخصص النفط والمشتقات البترولية وما يتعلق بذلك من تكنولوجيا وتقنية وهي جامعة «بتروناس» UTP أما الباحثون التربويون وعلماء النفس فيوصون الطلاب الراغبين بدراسة التربية واللغات والعلوم التطويرية والتنمية البشرية في جامعة السلطان إدريس وهي جامعة رائدة في التخصصات التربوية.. وهكذا بالنسبة لمختلف الجامعات في ماليزيا ولو تحدثنا عن الجامعات الحكومية الماليزية سنحتاج أن نفرد للجامعة الواحدة منها العديد من المقالات، إذ إن الحديث عنها أن جاز لنا التعبير فهو الحديث عن تاريخ التعليم العالي بماليزيا، فجامعة ملايا (UM) الجامعة الأولى والأقدم والأعرق على مستوى ماليزيا إذ تحتفل هذا العام بالذكرى 112 لتأسيسها وبمسيرة إنجازات فخمة تليق بمكانتها استطاعت أن تتفرد بتخصصاتها المختلفة كالطب والهندسة وأن تحتل الصدارة في ذلك، إلى جامعة بوترا (UPM) البحثية بمساحتها الواسعة الخضراء ومعاملها الفنية ومختبراتها العلمية التي تميزت في العلوم الزراعية كما هناك الجامعة الإسلامية العالمية بمبانيها الزرقاء والطبيعة الخلابة البعيدة عن ضوضاء المدن يقصدها الطلاب الراغبون في دراسة القانون الدولي والاقتصاد الإسلامي ولو ذهبنا إلى ولاية بينانج في الشرق لوجدنا جامعة العلوم (USM) تتربع بتخصصات دقيقة علمية في الرياضيات إلى تقنيات النانو التخصص الحديث والفريد.
وسنتطرق في المقالات القادمة كيف استطاعت هذه الجامعات بكلياتها المختلفة في دعم تقدم ماليزيا وتطورها وواكبت نهضتها الحديثة التي تشهدها اليوم.
** ** **
- الملحق الثقافي السعودي بماليزيا