د. عثمان عبدالعزيز الربيعة
بمناسبة الإعلان عن الفائزين بجائزة الملك فيصل العالمية لهذا العام خطر في بالي خاطر يقول، ماذا لو اختارت اللجنة المختصة بجائزة الأدب العربي أن يكون موضوع الجائزة هو: (إحياء الأدب العربي) - أو شيئاً قريباً من ذلك - فمن سيكون الأجدر بالترشيح للفوز في هذه المنافسة؟ أظنّ أن اللجنة لن تتردّد في ترشيح (سوق عكاظ)، لولا أن سوق عكاظ لم تأخذ بعد هيكلية الكيان المؤسسي، وأن مُخرجها من ظلام الذاكرة التاريخية إلى إشراق الحياة العصرية سموّ أمير منطقة مكة المكرمة الأمير خالد الفيصل هو رئيس مؤسسة الملك فيصل الخيرية التي تمنح الجوائز. إذن فلا أقل من أن يكون سوق عكاظ هو المكان الذي يحتفل فيه بمنح جائزة اللغة والآداب العربية كل عام. وفي هذا تكريم من عدة أبعاد:
= تكريم لسوق عكاظ لمكانته ودوره في رعاية ونشر الإبداع الأدبي، مما يزيد الاهتمام العام به في الداخل والخارج كمعلم ثقافي وسياحي.
= تكريم لجائزة الملك فيصل؛ إِذْ إن الاحتفال بمنح الجائزة في مثل هذه البيئة الثقافية التاريخية يمنحها بعداً حضارياً لأنه بمثابة استدعاء للتاريخ ليكون شاهداً على أن الذي يحيي ويُنمّي اللغة وآدابها لتكون لغة العصر هو الإبداع والتحديث وليس الاختفاء في عباءة آداب الماضي والتغنّي بها. كما أن إقامة الاحتفال بمنح الجوائز في مكانين مختلفين بالمملكة وبوقت مختلف يوسّع دائرة الاهتمام العام بجائزة الملك فيصل ويعزز حضورها في ذاكرة المواطن كظاهرة ثقافية تفخر بها المملكة.
= تكريم اللغة العربية: لا شك أن أعظم تكريم حظيت به اللغة العربية هو أن الله - عز وجل - جعلها لغة القرآن، فنزّله سبحانه على نبينا محمد كما جاء في سورة الشعراء - الآية 95 - {بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُّبِينٍ}. لكن أبناءها جفوها، وتحدثوا باللغات العامية الدارجة، ولم يفلح التعليم العام في تحريك ألسنتهم بها. وقبل 90 عاماً أعلن شاعر النيل حافظ إبراهيم في قصيدة مشهورة أن اللغة العربية تنعى حظها، فقال في أبيات منها:
(وَسِعتُ كِتابَ اللَهِ لَفظاً وَغايَةً
وَما ضِقتُ عَن آيٍ بِهِ وَعِظاتِ
فَكَيفَ أَضيقُ اليَومَ عَن وَصفِ آلَةٍ
وَتَنسيقِ أَسماءٍ لِمُختَرَعاتِ
فَيا وَيحَكُم أَبلى وَتَبلى مَحاسِني
وَمِنكُم وَإِن عَزَّ الدَواءُ أَساتي
فَلا تَكِلوني لِلزَمانِ فَإِنَّني
أَخافُ عَلَيكُم أَن تَحينَ وَفاتي)
فماذا لو عاش الشاعر في عالمنا العربي اليوم! لقد زاد الطين بلّة أن استحوذت اللغة الإنجليزية على مصطلحات تقنية المعلومات التي يستخدمها الناس في حياتهم اليومية، وهي فعلاً اللغة السائدة في كثير من الأنشطة الأكاديمية والاقتصادية ومسميات المؤسسات الوطنية (MBC - موبايلي - STC - وأمثلة كثيرة)، وأعداد من البضائع المنتجة محلياً، في بلادنا والبلدان العربية الأخرى. وكلما طال الزمن بهذه الفجوة - أو بتعبير حافظ إبراهيم: أوكلنا لغتنا للزمان - واتسعت المجالات التي تدرج فيها اللغة الإنجليزية زادت صعوبة العودة إليها، ولم يبق حافظاً لها إلا القرآن الكريم والسنة النبوية وكتب التراث والأدب.
لقد ثار بالفعل إحساس المثقفين والأدباء بما تواجهه اليوم لغتنا العربية من أخطار، فتنادوا لتكريمها في المحافل، وأقيمت من أجلها أيَّام احتفالية وأنشئت مراكز لرعايتها (كمركز خدمة اللغة العربية في المملكة)، وقامت دعوات لتحديث قواعدها ومناهج تعليمها، وبذلت محاولات لترجمة علوم العصر إلى اللغة العربية - ومنها مثلاً ما قام به مجمع اللغة العربية في الأردن واستحق عليه جائزة الملك فيصل العالمية في فرع اللغة العربية والأدب عن جهوده في حقل تعريب العلوم والتقنيات نقلاً وبحثاً وتعليماً.
سوق عكاظ نفسه - بجانب فعالياته التراثية والفلكلورية - ميدان سباق للمبدعين في فنون وآداب اللغة العربية، من شعر ورسم وخط ورواية وترجمة، وتمنح جوائز لهم، مع جائزة كبرى للشاعر العربي المتميّز بمنحه لقب (شاعر عكاظ). وهذه الفعاليات تتضمن معنى التكريم والاعتزاز بالآداب واللغة العربية. فماذا لو تُوّجت الفعاليات بتكريم الفائز بجائزة الملك فيصل العالمية بحضور محليّ وعربيّ مكثف من قِبَل خادم الحرمين الشريفين؟ سيكون ذلك بالتأكيد تتويجاً كريماً له صداه لفعاليات تكريم اللغة العربية ولسوق عكاظ نفسه ولقيمته الثقافية والتاريخية، كما سيكون مصدر فخر لمدينة الطائف الجميلة. هذا شأن يخص مؤسسة الملك فيصل الخيرية البحث فيه، وما لنا إلا بثّ الخواطر. وعلى الأرجح سيُطرح تساؤل حول المسائل اللوجستية والتنظيمية قبل العرض على الملك لتلقي توجيهاته - حفظه الله - .
ومن حسن الحظ أن سوق عكاظ يقام في فصل الصيف، قريباً من مقرّ الحكومة الصيفي في جدة، كما أن القرب من مكة المكرمة يمنح للضيوف الحاضرين فرصة للعمرة. وعلى هيئة السياحة والآثار - التي وضعت السوق تحت إشرافها - يمكن الاعتماد بثقة في تنظيم وإدارة المناسبة بالتعاون مع مؤسسة الملك فيصل الخيرية.