ماجدة السويِّح
وسط نظرات التعجب والاستنكار، واصل «ياسر» ذو العاشرة ربيعاً ترديد النشيد الوطني الأمريكي منفرداً وسط أقرانه، في الفصل الدراسي في أول يوم دراسي بعد العودة للسعودية، جرياً على العادة في المدارس الأمريكية منذ نشأته في الولايات المتحدة الأمريكية مع والديه المبتعثين للدراسات العليا.
تحوّلت نظرات التعجب والاستنكار لسخرية يظفر بها عادة صاحب العزف المنفرد في الثقافة المحلية، فظفر بلقب «الخواجة» و»العم سام» من قِبل بعض مدرسيه وغالبية الطلاب، الذين رأوا فيه وجهاً جديداً لثقافة لم يألفوها رغم ملامحه السعودية الخالصة.
رحلة التأقلم مع البيئة التعليمية شكّلت عقبة لياسر في التحصيل العلمي، من خلال الأساليب التعليمية والتربوية التقليدية المتبعة في التدريس، كما سببت له الكثير من المشاكل مع المعلمين الذين كانوا يفضلون الطرق التقليدية في الشرح والتلقين، واعتبار مخالفة الرأي أو الإدلاء بأي شيء غير مكتوب بين ثنايا الكتب محاولة للتمرد، وقلة الأدب مع المعلم، الذي يفترض تقديره من خلال تقديم فروض السمع والطاعة له دون تفكير أو مناقشة.
عانى ياسر أيضاً من مشكلة في تكوين الصداقات على مستوى المدرسة، وعلى مستوى الأقارب الذين بدأ أطفالهم بالسخرية من لغته العربية المكسرة، ليظفر بلقب عنصري آخر، ويدخل في دوامة مضاعفة من التنمر العائلي والمدرسي.
في نهاية المطاف كلف التعامل مع حالة ياسر والديه مبلغاً كبيراً يدفع سنوياً للمدرسة الأمريكية في الرياض، كما كلف والديه في الدعم والمساندة استشارة أهل الاختصاص في علم النفس، لتجاوز حالة الوحدة واهتزاز الثقة بالنفس بعد التعرض للتنمر من المجتمع المحلي، وانتشاله من حالة التقوقع في عالم الإنترنت للتواصل مع الوطن الذي أحسه في طفولته، ولم يحسه بعد سنوات من الغياب في موطنه الأصلي، رغم لهفته للقاء العائلة وتجربة طفولة والديه التي عشقها من قصص وحكايات والديه اليومية له عن السعودية.
ياسر نموذج لأطفال الثقافة الثالثة الذين ينشأون في أماكن ومواطن أخرى غير موطنهم الأصلي، وهي ظاهرة جديدة نسبياً بالنسبة للمجتمع السعودي، وقد ساهم برنامج الابتعاث في شيوع ظاهرة أطفال الثقافة الثالثة، بعد أن كان مصطلح أطفال الثقافة الثالثة محصوراً بعدد قليل من أبناء الدبلوماسيين والعسكريين خلال العقود الماضية.
مصطلح أطفال الثقافة الثالثة (TCK) ظهر في الخمسينيات بأمريكا من قبل عالمة الاجتماع «روث هيل يوسيم»، وتزايد بعدها الاهتمام بالبحث والبرامج المقدمة لهذه الفئة من الأطفال بغرض استكشاف عوالمهم ، والتغلب على الصعوبات التي تواجههم بعد العودة للوطن.
وللحديث بقية عن عشرات الآلاف من الأُسر التي تعود بعد رحلة الابتعاث، وعن تكيف أطفالها في الوطن بعد سنوات من الغربة والكفاح.