مها محمد الشريف
من مدينة شيكاغو ودع باراك أوباما الحياة السياسية، من هناك من هذه المدينة التي شهدت بدايته السياسية وشهدت على نهايتها. قال في خطابه الأخير إنه يرغب في شكر الأميركيين على «هذه «المغامرة الاستثنائية» وأن لديه بعض الأفكار حول المستقبل.
لا شك أن تلك العبارة قد اختيرت بعناية لأنها موجهة إلى مؤيديه ومحبيه، وفي موضع آخر تؤخذ وكأنها إدانة لأسباب الفوضى المعممة والمنظمة التي اجتاحت العالم في عهده، وقام بتنفيذ ما كان في عهد بوش من فوضى خلاقة، ليدرك من يسمع الخطاب أو يقرؤه أن هذه التجربة أو المغامرة التي يقصدها أوباما كانت نتيجتها فاشلة لمن خاض غمارها، وتجربة ازداد الإرهاب فيها والعنف انتشارا واتسعت مساحته في العالم.
ونقلاً عن صحيفة العرب الصادرة من لندن كتبت: « أوباما يلمع إنجازاته وينأى عن إخفاقاته في خطاب الوداع، و ألقى جملة من التحذيرات حول مستقبل الديمقراطية في الولايات المتحدة، ومطالباً الأقليات بفهم هواجس «الرجل الأبيض».
وشدد في الخطاب على أنه نهض بالبلاد إلى مستويات أفضل مما كانت عليه سابقا، وخاصة على الصعيد الاقتصادي».
وفي الحقيقة يا سيد أوباما لم ينبض قلبك إلا بدماء الشعوب، ولم تكن سياستك إلا جبهات قتال في كل مكان، ولم نر سوى وجه آخر من وجوه البربرية. لقد نفذت الفوضى الخلاقة التي أسسها سلفك جورج بوش الابن وتوني بلير، لقد جعلت من الدول العربية مسرحاً لجرائم إيران وبشاعات داعش والمنظمات الإرهابية، والعمل على استغلال ثرواتها وقتل قادتها، وتحريض الشيعة على السنة، وتدمير أواصر التعايش.
في عصرك ارتفعت نسبة العنصرية حتى في أمريكا، وتوالت انقلابات متضادة ومتناقضة منها شطب إيران من قائمة الدول الراعية للإرهاب ومعها حزب الله مرتع الطائفية والتطرف، حزب الله الذي يقاتل في سوريا وفي العراق ويوزع المخططات الانتقامية في أنحاء الوطن العربي.
وما قلته واعترفت به في خطابك السياسي تم تنفيذه على أرض الدول العربية:
«أعزائي الأمريكيين، وأنا أودّع البيت الأبيض بعد ثمان سنوات من الخدمة في المكتب العام، أودّ أن أتناول قضايا تهم الأمة. كانت بلادنا في اللحظة التي انتخبتموني فيها رئيساً، تقف على مفترق طرق، فأولادنا كانوا على خط النار في العراق وأفغانستان، واقتصادنا يعاني من ركود، إذ بلغ عجز الموازنة تريليون دولار، وبلغت نسبة البطالة 8%. ومن خلال مشاريع ناجحة كقانونَيْ التحفيز والوظائف، وجد ملايين الأميركيين فرص عمل، وأعدنا البطالة إلى ما دون 5%، وانخفض سعر البنزين إلى 1,80 للتر، وأصلحنا وول ستريت، وأزحنا ابن لادن عن المشهد، ومنعنا إيران من صنع قنبلة نووية «. بينما أنكر ذلك الجمهوريون وقالوا: إن الاقتصاد ضعيف للغاية ونحن أمام أخطر تهديد إرهابي منذ الحادي عشر من أيلول، والسياسة الخارجية لأوباما غير مجدية. لكن ثمة أشياء لا بد من الإفصاح عنها في هذه اللحظة. سأكمل عنك يا سيادة الرئيس الراحل : لم تقدم لحلفاء الولايات المتحدة إلا مزيداً من العنف والقتل والتشرد. لقد نشرت الطائفية والتطرف، ولم تقتل الإرهابيين المستقلين حسب زعمك بل قتلت آلاف المدنيين الأبرياء، فمنذ تقلدت منصبك في 2008، نلت من المسلمين من أجل أمن إسرائيل. و منعت السوريين من الحصول على أسلحة توقف القصف الجوي، اعترافك دليل إدانة وليست بطولة تتباهى بها أمام شعبك، وها هو اعترافك: « وسمحنا لحلفائنا الشيعة باستباحة سوريا وإغراقها بالدم، فلا مصلحة لنا من انتصار ثورة تهدد الشعب اليهودي، وتعزز نفوذ الإسلام المتشدد.
وفي الختام، قررنا إنهاء الخلاف مع إيران، بعد أن اكتشفنا أنها ليست مسلمة كما كان يُشاع، وأن التعاون معها لكبح الإسلام السني أكثر أهمية من الخلاف حول برنامجها النووي. وبالفعل، نحّينا الخلافات، وركّزنا على المشتركات، واتفقنا على وضع الشعوب العربية تحت التحكم. وكان لا بد أن تصطدم إدارتي، وهي تسعى إلى رسم مشرق جديد، بالحليف السعودي القديم.
لقد قدّرنا أن الوقت قد حان لكشف خطورة النسخة الوهابية من الإسلام، والمسؤولة عن التطرف من شبه الجزيرة العربية إلى جنوب شرق آسيا «. لن تشفع لك مزاعمك بل على الأمة العربية والإسلامية رفع طلب لمحكمة العدل الدولية بمحاكمتك كمجرم حرب قتل الآلاف من البشر وشرد الملايين من الشعوب.
لقد صنعت الإرهاب ومنها داعش الأكثر خطورة وعنف لتهجيرالسكان من قراهم وبلدانهم واغتصاب حقوقهم وتطلق عليهم جماعات شرق أوسطية، وحاولت فصل المسلمين عن الإسلام، وجعلت حقيقة الإسلام ذاته هو المشكلة، وأي فرار تلوذ إليه ستقوم الشعوب بمحاكمتك. تزعم أمام الملأ أنت ووزير خارجيتك جون كيري بإنقاذ المسلمين من حكامهم، حين قلت: « عليهم التأقلم مع الدكتاتوريات التي تحكمهم، إذ هي أفضل خيار للحد من خطرهم الكوني «. لم يجد العالم خطراً أكبر من خطر أمريكا على السلام والإسلام في العالم.