رمضان جريدي العنزي
المرجفون خبراء بالكذب، ويمتهنون بحرفية تامة قلب الحقائق، واستحواذ الأشياء، ولهم قناعات أحادية البعد وضمائرهم أصلاَ ميتة، يهولون بفجاجة ويسرفون بالكذب، مرضى شبهات وشهوات، وقلوبهم عامرة بالسواد، يمتهنون الشك والريبة، ويمارسون لبس الأقنعة، جراثيم تعيش في جسد المجتمع لتوهنه وتضعفه، خفافيش ظلام يقتاتون على الجور والبهتان والزور، ويتنفسون الهدم والتخريب، ليس لهم نجابة ولا نبوغ، وأرواحهم مليئة بالحقد والحسد، لا يفقهون قبضة المنتصف، أو الشعرة الفاصلة، أو الحكمة البالغة، لكنهم يجيدون نسج الأشياء وطرحها بطريقة عاجلة وصادمة، أسفنجيون يمتصون كل شيء خرب بمائه ومحاليله وطحالبه وشوائبه، ووعائهم الثقافي والفكري يعتريه الضعف والوهن، صار الترجيف من خواصهم الكامنة في أرواحهم، وطقوسهم اللحظوية، يعرفون أن يجعلوا من العطر قارورة فارغة، ومن الحديقة الخضراء أرض ميتة، ومن ممرات الرخام الثمين مجرد أتربة، هم مثل الغراب الذي يحاول أن يلبس ريش حمامة، انشغلوا بالتوافه من الأمور، لا يعرفون التوهج والألق، وينساقون إلى صغائر الأشياء، الألوان عندهم تختلط، والخطوط تتشابك، والمواقف تتبدل، لا العهود عندهم عهود، ولا المواثيق مواثيق، ولا الأمانات عندهم أمانات، يعشقون المستنقع والحضيض والظلمة والظلام والحفرة والهاوية، يمارسون كل موبقات الغدر والجحود والخيانة، ليسوا قيثارة، ولا عزف مجيد، الفراشات الحالمة صيروها عقارب مخيفة لاسعة، وحتى دودة القز ما عادت عندهم تصنع خيوط الحرير، أسرجوا على الناس العداوة والبغضاء، بعد أن أخذوا القمح والكوز والأريكة والسنبلة، أرخوا عليهم حبائل البهت، ولغة الزيف، وأناشيد الدم، وأغاني النار، واستهاموا عليهم في الدهاليز المظلمة، غووا واستغووا وتاهوا ومارسوا عليهم الضلالة والحماقة والخنوع، مصابون هم بالسهو والنعاس وفقد الذاكرة، وقلق الأمكنة والجهات والأسماء والطرق، مجانين في الصحو والمنام واللهاث، وجرعاتهم بذلك عالية، كلما حاولوا أن يخرجوا من شرنقاتهم الموبوءة، تخرج معهم وباءاتهم المزلزلة، يحاولون أن يجيدوا بخيالات التعبير في مسارحهم العتيقة لكنهم لا يجيدون التنظير والبث والبعث والمعرفة، لا يعرفون الترسيمات الواقعية، ولا الأفق المفتوح الذي يغذي قيم التعبير والضرورة والتكوين، يسبحون في فضاء مشبع بالرماد والقتامة، والحركة المنفلتة من خلايا العقل، لهم ضجيج وصخب وتربص، ويجلسون على التخم المتحركة، لهم قلق وترقب ونز ونزق، وحتى خيولهم العتيقة التي اشتروها لأنفسهم أصبحت عرجاء مريضة وكسيحة، سيوفهم مثلومة، معارضون للإبداع والتفوق، ومناصرون للموت والجهل والعجز، ووجههم أكثر تقاطعاَ مع الحقيقة، لهم جدلية واقع، ورموزهم خائبة، ومكوناتهم غير جمالية، وقيمهم غير فنية ولا بهية، ما عندهم ثراء لغة، ولا ثيمات ولا أساليب راقية في البلاغة، وسرد النص، يبحثون عن الخلود والأسطورة، لكنهم ما عرفوا بأنهم قرابين لأفعالهم المشينة، المرجفون البغيضون صاروا ضد الحياة والناس والتمدن والوطن، بعد أن تمثلوا عليهم بصور نافرة في اللون والشكل والمحتوى، تماهوا عليهم، محاولين أن يكسروا حلمهم، فيا أيها المرجفون الناكرون الجاحدون الهائمون بزيفهم، للناس هدوئهم وحلمهم وصبرهم، لكن إذا ما ابتلوا ببهتكم سيصبح حلمهم حجارة، وصبرهم قيامة، وسينهكونكم بالتعب، فلا تلوموا بعدها الحكيم إذا غضب.