د. ابراهيم بن عبدالرحمن التركي
** التقى الشرق والغرب بالرغم مما قاله «روديارد كبلنغ» ونظَّر له سواه؛ فالقيم الإنسانية المشتركة بين العالَم من المحيط إلى المحيط ومن القطب إلى القطب تزداد وثوقًا، وربما بدا الغريب قريبًا والقريب غريبًا بفعل اختراق العالَم الرقمي كلَّ المسافات الفاصلة بين الثقافات المتضادة، وهو ما يحتم قراءة الفوارق الفكرية برؤىً أكثر مرونة وبفهمٍ قابل للتغيير والتحوير.
** القضية تبدو جليةً في الشؤون المادية؛ فقد توحد الأكل والشرب والسكن ومعظم الملبس فما عاد المطبخ ولا الفندق ولا السوق ذوات ملامح غير مألوفة بين الشعوب حتى لمن لا يتاح له السفر، في حين انفتحت مساحات التواصل اللغوي والإعلامي والتقني والفني بين الناس بمختلف لغاتهم وأديانهم فتخاطبوا عبر الوسائط نفسها، وأوشكت اللغة الإنجليزية أن تصبح معولمة؛ فصاروا يشاهدون البرامج والأفلام والأخبار والمباريات في وقت واحد ويستمعون إلى التحليلات والتعليقات ذاتها؛ سواءٌ أكان مصدرها الشرق أم الغرب، وأنى جاءت؛ أمن معتنقِ ديانةٍ أم مذهبٍ أم فلسفةٍ أم أدلجة.
** لن نتعمق في صلة هذا التقارب المفضي إلى الامتزاج بمفهوم الأنسنة الذي قد يناوئه بعضٌ بحكم علاقته بالمفاهيم العلمانية، ويكفي هنا أن نتأمل في القيم الطارئة على كل المجتمعات بمنأى عن التأثير الأحادي القائم على مرسل ومستقبل؛ فقد يتأثر القوي بالأضعف والأغنى بالأشد فقرًا، وربما تقاصرت العصبية والعنصرية بين الشعوب فاستأثر بها السلطويون الطامحون إلى بناء إمبراطورياتهم كما يسعى الصهاينة والفرس والإمبرياليون وذيولهم، ولن يبلغوا أوهامهم ولو بدت في متناولهم.
**في كل هذه المباحث يبقى الإنسان مرتكز الاهتمام إعلاءً لقيمته المجردة النائية عن صفاته الوراثية وانتماءاته الإقليمية ومرتكزاته الدينية؛ فلكلٍ الحرية في اعتناق ما يشاء، كما لا ضير في لونه أو جنسه أو جنسيته، وهو ما يعبر عن النظرة الشمولية التي قادها الإسلام لتحقيق الانتشار وضمان حق الناس في الاختيار.
** تواصل الناس دون مشيئة مسبقة من نظام أو منظمة أو حاكم أو محكمة، وهو ما يمكن استثماره في بناء عالم أكثر عقلانية وتسامحًا وأقل جنونًا وتعصبًا وظلمًا.
** ابتدأت الحياة البشرية بأصلٍ واحدٍ، وتلتئم اليوم تحت مظلة متماهية تكاد تتماثل في شكلها وتتفق في مضامينها وكأن رحلة العودة إلى الأصل قد استهلت أولى خطواتها، وستدوس في طريقها الطويلة الغارقين في جهالاتهم «الإثنية»، وقد يبقى الكونُ الذي نعرفه ساحةً للنقليين والعقليين فقط حتى يفنى كل شيءٍ ويصبح الأمرُ لله وحده فلا يبقى إلا وجهه سبحانه.
** لو تدبرنا هذه الدائرة بمساراتها المنطلقة من الصفر والمكتملة عنده لأرحنا أنفسنا من شرورها وارتاح غيرنا منا؛ فلا نختلف عند أرضٍ أو دينار فضلًا عن شكل أو صورة أو مزمار؛ فالمركب العولمي مبحرٌ نحو غاية واحدة، ولن تثنيه الرياحُ عن الوصول ولن يتيه عن الأصول.
** الدنيا مسار أشبهُ بسوار.