د. محمد عبدالله الخازم
تعد زيارات المسؤولين الميدانية لمواقع العمل بمختلف المناطق أمرًا إيجابيًا، حيث تتيح التواصل مع الناس والتعرف على احتياجاتهم ومطالباتهم، والوقوف على طبيعة العمل ميدانيًا للتعرف على مكامن الخلل للتصحيح وعلى الإيجابيات للشكر والتحفيز. لا يحق لي الحكم بعدم جدوى تلك الزيارات بمجرد متابعة الإعلام، كما يفعل البعض، لعدم معرفة تفاصيلها وما أسفرت عنه من قرارات وحلول. لكنني أطرح وجهة نظر لمعالي وزير الصحة، وهو نشط في زيارة مختلف المناطق، ويبدي - وفق ما يبرزه لنا الإعلام- أريحية في الاستماع للناس في الأماكن التي يزورها.
بعد التقدير لتلك الزيارات، أخشى أن مجرد المرور وافتتاح بعض المشروعات أو لقاء بعض المواطنين الذين يصدف وجودهم بالمكان، لن يتيح لمعاليه التعرف على كل ما يدور، وربما يجد الأمر روتين مكرر من الاستقبالات والعزائم التي لا تنتهي. معاليه يعمل وفريقه الخاص على دراسة ملفات ضخمة تمس الصحة منها ملفات التخصيص والتأمين وغيرها ولكن معاليه يتحاشى أن يشرح لنا المتابعين ما هي تحديدًا التوجهات التي تعمل عليها وزارة الصحة، فلا نسمع سوى تسريبات بعضها متناقض وبعضها عموميات غير مكتملة. لذلك كنت أتمنى من معاليه أن يحمل ملف تطوير الخدمات الصحية معه ويعقد لقاءات عصف ذهني مع الأطباء والممارسين في كل منطقة حول تلك الملفات.
الصحة تحاول إجراء تغييرات ذات أبعاد اقتصادية وإدارية لكنها تتناسى التواصل مع أهم أركان العملية الطبية بها؛ الأطباء والممارسين الصحيين، وإذا لم يستفد معالي الوزير من زياراته لمعرفة رؤى الممارسين حول ملفات الصحة الكبرى فمتى يتواصل معهم ويتعرف على آرائهم من واقع الميدان؟ ألا يخشى معاليه أن يرسم النظام الصحي بتغييراته الجديدة وفق مقاسات يرسمها من هم في أبراج عاجية لا يعرفون طبيعة وواقع الخدمات الصحية بمختلف المناطق؟
وزارة الصحة صممت موقعًا لمعرفة آراء الناس في المنظومة الصحية ولكنه لا يجب أن يكون بديلاً لمعرفة آراء من يمثلون العمود الفقري للخدمة الصحية، الأطباء والممارسين الصحيين. طبعًا مجرد فتح الباب لمن أراد قول رأيه لا يعد عمليًا، لأنه سيكون مجرد باب للثرثرة في ظل عدم وجود أجندة ورؤية محددة يتم مناقشتها وفي ظل غياب للشفافية في تناول التغييرات المتوقعة أو المقترحة أو التي يخطط لها في المجال الصحي. إذا كان الأمر مجرد جمع آراء الناس فأنصح مسؤولي وزارة الصحة بالعودة لملفات الحوار الوطني التاسع ففيه رصد كبير للآراء العامة.
أعود لزيارات معالي وزير الصحة، وأناشده بعقد لقاءات موسعة ومنحها الوقت الكافي وتسجيل ما يدور فيها مع الأطباء والممارسين بكل منطقة وليس فقط مع مسؤولي الشؤون الصحية، الذين ينظرون للزيارة كفرصة لتحسين صورتهم أمام وزيرهم. لا بد من زيادة مساحة الشفافية وسهولة انتقال المعلومات من قمة الهرم الإداري لأسفله والعكس، كضرورة لإحداث التغيير المقنع الذي يتقبله الغالبية.