أمل بنت فهد
أتعس العلاقات علاقة تمارس فيها التصنع.. وتضيع فيها وقتك.. وتسهب في أمور لست تعنيها.. ولا تهمك.. ولا تعبر عن رأيك الحقيقي.. تعيشها وأنت المُقنع.. تخفي وجهك الصريح.. وتواري حقيقتك.. حقيقة مشاعرك.. ميولك.. اعتقادك.. وحتى رغباتك.. تفعلها وأنت مجبر.. باسم الحب مرة.. وبذريعة استمرار العلاقة مرة.. وكثيرًا حين يكون الخوف سيد الموقف.. الخوف من النبذ والإقصاء.. الخوف من عذاب المنفى الاجتماعي.. لذا تبقى متصنعاً من باب البقاء على قيد الحب والقبول.
قد تكون خسائر الصراحة وفرض الحقيقة كبيرة وتستحق هذه التضحية.. لذا تعيش حياة لم تخترها.. وهكذا يمكنك على الأقل أن تبرر خيانتك لنفسك.. وتبرر لها هوانا تعيشه من أجل أمر يستحق أن تكون كما يشاء الآخر.. تبرر كيف تكون مشيئتك رهن مكاسبك.. وهذا عزاء ليس أكثر.. ومحاولة لاختلاق شيء من الكرامة فيما تفعله بنفسك.
ولو تخيلنا.. مجرد خيال.. أن باب الصراحة مشرع وليس له سجان ولا جلاد.. ويمكنك أن تقول ما تعتقد دون تبعات.. ودون أن تكون مهدداً بالرفض والإقصاء.. وأن جمهورك وإن كان فرداً واحداً سيأخذ الفكرة على أنها فكرة.. وما يعنيه منك تعاملك معه فقط.. ويمكنه أن يناقش الفكرة دون أن ينظر لاسمك.. ولبسك.. وهيئتك.. ومرجعك.. يأخذها متجردة من أي شيء عدا أنها رأي خاص بك وحدك.. وفي المقابل أنت تتمتع بنفس القدرة على استيعاب الاختلاف بينكما.. ولا يهمك من يكون صاحب الفكرة.. بقدر ما تدرك أنها مجرد رأي تستطيع أن تقبله أو ترفضه أو تتركه حيث وجدته.
تخيل أن يكون الإنسان معظماً ومحترماً ومقدراً لكونه إنسانا فقط.. ولاحتمالية أن يكون يوماً ما عبقرياً.. ويمنح الإنسانية ابتكار ما.. أو عطاء كريماً.. أو يكف خيره وشره على أقل تقدير.. ولهذا هو إنسان.
تخيل أن يكون معيار الإنسانية أن تقدم خيراً.. أو تحجم عن شر.. بكل بساطة.. وعلى هذا المعيار يكون التعامل.. ويكون التصنيف.. بين إنسان صالح.. وآخر فاسد.. معيار يمكن أن تنصهر فيه أعتى التصانيف.. وتختفي.. فيكون تاريخك.. ومذهبك.. ولغتك.. وكل الفوارق التي اخترعها الإنسان لينسب لنفسه الأفضلية.. مجرد هراء.. وهي هراء حقيقةً.. لكن الإنسان برع في لمس رغبة العلو والتفرد.. فصنع لها ألف وجه ومبرر.. وكلها ليس لها علاقة بالأفضلية.. لكنه المعتقد الذي يفصلنا عن الواقع.. ويعتقل مشاعرنا.. ويدمر الحضارات.. فكم مذبحة شرعت باسم الأفضلية.. والفضيلة.. وكم حروب قامت ولم تقعد بسبب ذات المبدأ.
تعاسة الحياة تبدأ حين تقول ما يريد أن يسمعه الآخر.. وتسكت عن إيمانك.. وتعيش تحت رحمة القناع.. حياة زائفة لن تعرف فيها من أنت فعلاً.