فوزية الجار الله
من السهل جدًا أن تخدع موظفًا في بداياته..
من السهل أن تحتال عليه ومن السهل أن تجعله لعبة بين يديك فهو خريج مستجد على الحياة العملية لعله يعي كثيرًا من العلوم النظرية التي تعلمها على مقاعد الدراسة لكنه لا يفقه كثيرًا مما يحدث في هذه المنشأة الجديدة. في بداية عملي الحكومي الذي كان بعد التخرج مباشرة.. باشرت أنا وزميلة لي، بالطبع مصطلح مباشرة كان مصطلحًا جديدًا على سمعي في تلك الفترة إِذ علمت بأنه يعني بدء العمل، باشرت أنا وزميلة لي ورفعنا خطابين بذلك إلى الإدارة العليا التي نتبعها، لم يكن لدينا هاتف مباشر في موقع العمل للمتابعة، وقد أخطأوا خطأ شنيعًا، حيث لم يتابعوا مباشرتينا فتأخرت رواتبنا ولم يتم تسجيلنا في البيانات المالية الشهرية لأكثر من شهرين، أتذكر أننا أخذنا صورًا من مباشرتينا حرصًا إضافيًا وربما جهلاً بما يجري حولنا.
جاءنا مندوب الإدارة وتم استدعاؤنا للنزول أسفل، التقطت كل منا عباءتها وركضنا أسفل العمارة، حيث المندوب، فحضور ذلك الموظف واستدعاؤنا شخصيًا يعني في أذهاننا شيئًا كبيرًا وحدثًا استثنائيًا وكأنما استدعانا الوزير وليس مجرد مندوب هو أحد منسوبي إدارة شؤون الموظفين، يحمل الشهادة الابتدائية (ورب البيت)!
قال لي: أين مباشرتك؟ أجبته سبق أن رفعناها. قال بمنتهى الحزم، لم تصلنا، لقد قدم اثنان من الموظفين استقالتهما وتركا العمل بسبب مشكلتكما هذه، ليس هذا وحسب مديرنا ونحن في حالة انزعاج وتوتر شديدين!!.. تبادلنا النظرات المندهشة الذاهلة أنا وزميلتي من خلف النقاب! ولكي يجعلني ارتعد وأخاف وأشعر بأن الحق معه تمامًا، قال لي بسرعة: (ارفعنها) حالاً، صعدنا معًا إلى أعلى وأتينا بصورتين أخريين ولا أدري لماذا وقع في خلدنا بأننا ارتكبنا ذنبًا لا يغتفر حين احتفظنا بصور إضافية للمباشرات في منازلنا وعلينا أن نحتفظ بهذا السر ولا نبوح له به..!!
عدنا سريعًا مرة أخرى وقدمنا له الصورتين اللتين كنا نحملهما ونحن نحمد الله بأنه أنقذنا وعمل خيرًا بحضوره، لكننا اكتشفنا فيما بعد بأنه عمد إلى كل ذلك التمثيل محاولة منه لخداعنا وإشعارنا بأننا نحن المخطئتان وليس هو، وربما ساعده في تصنع الجدية والحزم طول قامته الذي كان علامة فارقة تميزه عن سواه.
***
** (أنا لا أصدق أن الظروف يمكن أن تدفعنا إلى فعل ينافي ضمائرنا، ولا أؤمن بالحتمية، فالله حين يسوقنا إلى قدر، هو في الحقيقة يسوقنا إلى نفوسنا).
- د. مصطفى محمود - .