غسان محمد علوان
استكمالاً لحديث الأسبوع الماضي، نواصل النقاش عن بعض الأسباب التي أوصلتنا لوضعنا الإعلامي الرياضي المخجل جداً حالياً. فرغم تعدد المنابر الإعلامية، وسهولة الوصول للفئات المستهدفة المتعطشة أساساً لكل ما يخص عشقها الكروي، إلا أن كل المؤشرات المكونة للمادة الإعلامية أخذت في الانحدار بشكلٍ سريع جداً، أوصلنا إلى ما وصلنا إليه. فالمحتوى الذي يظهر علينا في البرامج والمكوّن من عدة محاور، لا يحاول من خلاله المعدّ أن ينتقي محوراً جاداً يثري المشاهد أو أن يضع حلولاً لمشاكلٍ تطرأ على رياضتنا بين الحين والآخر. بل أصبح كل تركيزه على نقاط الجدل و إثارة الأضداد و إشعال نيران (القبلية الرياضية) - إن جاز التعبير- وتكريسها كقضايا تستدعي هدر مئات و آلاف ساعات البث. والمقدم أو المُحاوِر، لم يعد قادراً على توجيه النقاش متى ما بدأ في الانحراف عن طريق آداب الحوار و أدبيات النقاش الإعلامي أمام الجمهور. بل أصبح جزءاً لا يتجزأ من ثقافة الضجيج التي أصبحت متسيدة للمشهد.
ما أوصلنا لهذا الوضع هما أمرين لا ثالث لهما، بعيداً عن فكر المؤامرة الذي يدّعي دوماً أن افتعال هذا الصخب في الوسط الرياضي هو لإشغال الشعوب عن قضايا مجتمعية أخرى.
أولهما: خلو الساحة الرياضية من الإعلاميين الحقيقيين، القادرين على استغلال تلك المساحات الهائلة من البث للارتقاء بذائقة المشاهد. فالإعلاميون الحاليون (مقدمون ومالكون للبرامج الرياضية)، ارتضوا لأنفسهم أن يكونوا مجرد ردة فعل للجمهور. وتنازلوا عن كونهم منارةً تضي للمشاهد جوانباً جديدة عن الرياضة، و تقود تفكيره لمساحات أكثر رحابة و أكثر نفعاً و فهماً لحيثيات وسط يضج بشتى أنواع الجمال والإبداع. فتحولوا بذلك لثقبٍ أسود، يسعى لامتصاص كل شيء، كل تعصب، كل سقوط، وكل إسفاف من مشجع متعصب أو جاهلٍ دعي. ليعيدوا بث كل ذلك السواد في وجوه الجميع، لنصطبغ جميعاً بإسفاف أقلنا فهماً و علماً و أدباً، ليقولوا بعدها مبررين عجزهم و كسلهم بعبارة: (الجمهور عاوز كده)!!
ثانيهما: هم الإعلاميون الذين يُطلق عليهم مجازاً (ناقد أومحلل رياضي). وأنا هنا بالطبع لا أعمم على الجميع، ولكن السواد الأعظم من هؤلاء السطحيين فهماً و عقلاً و ثقافةً يخنقون كل صوت جميل وعقلية رائعة حتى لا يكادوا يُرَون. فهذه العينة الدخيلة على كل شيء، وليس على الساحة الرياضية فقط، أصبحوا باحثين عن دور البطولة وعن لقب الجلاد أو الملجم. و لا يؤثر فيه إطلاقاً أن يوصف بالمهرج، عندما يبدأ بالصراخ و الإسفاف والابتذال. ولا يعيبه أن يكذب ثم يُكتشف كذبه ويوصف بالكذاب، فهو يرى في من يصفه بذلك عدواً أو حاقداً لا أكثر، رغم صدق هذا العدو. ولا يخيفه أن يتهم أحداً دون دليل، أو يدخل في ذمة أحدٍ دون وقائع، أو حتى أن ينقل أكاذيباً سمعها من شخص عابر دون تحرٍ أو تمحيص. فالبطولة في نظرهم هو أن تظل صامداً دون تزحزحٍ عن مكانك، و إن كلفك ذلك سمعتك أو كرامتك أو حتى أخلاقك و تربيتك. ونعم القدوات لشبابٍ صغار أو حتى أطفال لم يبلغوا الحلم بعد.
هذا الصمت المرعب من وزارة الثقافة و الإعلام بالاشتراك مع الهيئة العامة للرياضة، لا نجد له مبرر إطلاقاً. أليست كل أطراف المعادلة الإعلامية الحالية تعود مرجعيتها لأحدهما أو كلاهما؟ ألم يفكرا يوماً بأن ما يحصل لا يسيء للإعلام فقط أو للرياضة فقط، بل إن هذا السوء قد طال الصورة العامة للمجتمع السعودي. فأصبحت الصورة النمطية عن الشخص السعودي (كما يراه أي متابع في الوسط الأكثر متابعة والأكثر جماهيرية) أنه ضحل الثقافة، متعصب لرأيه، بذيء اللسان، فاقدٌ لأبجديات الحوار و أساسيات الاختلاف، وبمعنى آخر وبسيط: شخص غوغائي.
ألم يحن الوقت لتنظيم هذا الوسط؟ ألم يحن الوقت للعمل على حفظ احترام المشاهد؟ ألم يحن الوقت لتقديم منتج رياضي محترم يخلو من هذه العينات السيئة التي أصابنا صراخها و همجيتها بالملل و القرف في نفس الوقت؟
لم نعد نطالب بوسط إعلامي رياضي أفضل، فهذا الطلب أصبح من المستحيلات. فما نرجوه الآن حقاً، وبعد تخليكم عن دوركم في تقويم هذا الوسط المعوّج، هو أن تحفظوا صورة المواطن السعودي أمام جيراننا و أخوتنا. فقد أصبحنا أضحوكة للجميع، بعد أن كنا نقدم القدوات للجميع. فهل أنتم فاعلون؟!