محمد آل الشيخ
أثارت تصريحات رئيس هيئة الترفيه عن قرب فتح دور للسينما، والسماح بالحفلات الغنائية، زوبعة من الحوارات والأخذ والرد بين القبول والرفض؛ وقد تعوّدنا نحن السعوديون على مثل هذه الجُلّبة، كما تعوّدنا - أيضاً - على أن تمر مثل هذه الزوبعات، ويتعوّد عليها السعوديون، وتصبح من حقوق الناس المكتسبة.
البرقية، تعليم المرأة، التلفزيون، عمل المرأة في الأسواق، وغيرها، مرت حينها بجلبة مشابهة، وأصبحت الآن واقعاً طبيعياً، وتراجعت أصوات الغلاة المتكلسين، ورضخوا للأمر الواقع. وفي تقديري ما أشبه ليلة السينما ببارحة التلفزيون، ومن الطبيعي جداً أن تمر المجتمعات المعزولة والمنغلقة بتوجُّس وريبة من كل قادم جديد، فيرفضونه في البداية ويقبلونه في النهاية. وليس لدي أدنى شك أنّ من يرفضون السينما اليوم، سيتسابقون عليها في المستقبل؛ كما أنّ (الدور الإسلامية للسينما) سيشهدها المستقبل قريباً، حيث سيحاولون استغلال السينما في الدعوة الإسلامية ومقتضياتها، كما فعلوا مع القنوات التلفزيونية، فقد كانت قبل سنوات حراماً لا خلاف عليه عندهم، وها هي القنوات التلفزيونية (الإسلامية) تنافس قنوات الترفيه الأخرى.
كما أنّ (الحفلات الغنائية)، سينافسونها أيضاً، ويُحيون احتفالات مماثلة للاحتفالات الغنائية، لكنهم سيجعلون لها اسماً آخر مثل مسمّى (الاحتفالات الإنشادية الإسلامية). وأكاد أجزم أنّ ذلك سيكون مآل حال المعارضين للاحتفالات الغنائية.
وأنا مع كل هذا التعدد في الاختيارات الترفيهية بكل قوة، وأعتبرها ظاهرة صحية، ودليلاً على (حرية) الاختيار في المجتمع، فمن أراد أن يذهب إلى دور السينما المعتادة، حيث تعرض الأفلام العربية والعالمية، فله ذلك، ومن رأى أن الأولى له ولأسرته الذهاب إلى دور (السينما الإسلامية)، فله أيضاً ذلك، شريطة ألا يُستغل ما يُبث قي شاشاتها لتجنيد النشء كحطب للإرهاب، والانخراط في ثقافة العنف والبغضاء والكراهية؛ فالتعدد في وسائل الترفيه وتوجهاتها وعدم التضييق عليها هي مطلب عام للوثوب إلى (الدولة المدنية)، بمجتمعاتها وقوانينها التي تكتنفها الحرية وتعدد الاختيارات؛ الذي هو المحرك الحقيقي للإبداع وتفوق الشعوب والأمم، والمحرض على العطاء؛ فالحرية المقننة، التي تتيح للجميع ممارسة قناعاتهم دون قيود أو وصاية فكر على فكر، هو ما يدعو إليه المتحضرون.
وأنا على يقين أنّ مثل هذا الانفتاح، وتعدد الخيارات الترفيهية، سيكون مردوده الاقتصادي والاجتماعي رائعاً؛ فالمجالات الترفيهية من شأنها تحقيق أمرين: أولها: خلق استثمارات جديدة لامتصاص البطالة المتزايدة بشكل مُقلق بين الشباب ذكوراً وإناثاً، والتي لو أهملت ستتحول حتماً إلى (قنبلة موقوتة) ستكبر وتتضخم وتفجر المجتمع وتهز أمنه واستقراره. الأمر الآخر: أنها ستستقطب كثيراً من السعوديين، الذين عادة ما يرحلون في المناسبات بالملايين إلى خارج البلاد طلباً للترفيه، وبذلك ستبقى تلك الثروة الكبيرة المهدرة خارج البلاد إلى داخلها.
كل ما أريد أن أقوله في هذه العجالة: السينما العامة ستفتح، والسينما الإسلامية ستفتح أيضاً، والحفلات العنائية ستقام، والحفلات الإنشادية ستقام، وللسعوديين والمقيمين حرية الاختيار إلى أين يذهبون ليرفهوا عن أنفسهم.
إلى اللقاء.