د.ثريا العريض
بعد صخب موسم الانتخابات في الدول الكبرى؛ لا نجد اتفاقًا في أي بلد على ما هي الخيارات الأفضل للأغلبية ديموقرطيًا في مواجهة صراع الأحزاب. ولكننا نلحظ تشابهًا في تصاعد الشعبوية والتركيز على الهموم والشؤون المحلية. ومن بينها هم التعامل بديموقراطية مع المختلف عنهم. وبينما تتشارك المجتمعات الغربية في خوفها من الإرهاب، يختلف المواطنون في كل بلد منها حول تفضيلاتهم الانتخابية. في أوروبا تصدع في عضوية وتوجهات أعضاء الاتحاد الأوروبي؛ في بريطانيا تواجه الحكومة الجديدة نتائج الخروج من الاتحاد الأوروبي. فرنسا وإيطاليا تعيدان حساباتهما قبل اتخاذ قرار مشابه. وفي ألمانيا يختلفون حول السياسات المتعلقة باللاجئين المتدفقين بالملايين. وفي أمريكا خلاف حول نتائج الانتخابات الرئاسية وانتقال الحكم إلى الحزب الجمهوري، وفي روسيا يتصاعد توجه استعادة موقع هيمنة عالمية فقدوه بعد تمزق الاتحاد السوفياتي. وفي فرنسا يختلفون حول سياسة مدى مسؤوليتهم عن العلاقات مع العالم الفرانكفوني.
وفي الشرق الأوسط، يستمر موسم زوابع تعصف بكل الشواطئ من البحر الأبيض المتوسط حتى البحر الأحمر والبحر العربي والخليج.
في ذات الوقت آسيا بنمورها وطموحاتها الاقتصادية تقف مترقبة هدوء بعض غبار الساحة الاقتصادية السياسية، لتتخذ الدول مواقفها المستقبلية، ثنائيًا وجماعيًا، خاصة فيما يتعلق بالتبادل التجاري وتعديل موازين التصنيع والتصدير والاستيراد.
منطقة الشرق الأوسط من تركيا شمالاً إلى السودان والصومال واليمن جنوبًا، ومن الخليج شرقًا إلى المحيط غربًا، تجد نفسها لاتزال تصارع لاستعادة الاستقرار واستدامته بعد تساقط الأنظمة واحتشاد الشوارع وشعارات الغضب واستثارة وحش الطائفية، وتغوّل داعش وتكشّف خطط الهيمنة وأحلام الأممية المتدثرة بأقنعة براقة.
ومنطقة الهلال الخصيب تجد نفسها تنجرف إلى تدمير شبه كامل في هذه الأوضاع وما سبقها من ميراث الربيع العربي المدمر. ومنطقة الخليج تتفادى أن تسقطها موجات الصراع في مياه إقليمية ملوثة بمفرزات الرغبات الحزبية والطائفية المسيسة.
حتى الآن ونحن في الخليج بخير ونحقق من التوازن والتكاتف والتساند ما يمكننا من ليس فقط إبقاء رؤوسنا عالية سالمة، وشوارعنا فوق الماء المتعكر، بل ومد يد العون إلى الأقربين كي لا تسحبهم الدوامات إلى اللجة. ما زلنا قبلة المحتاجين للمساندة الفعالة نحمل لهم راية الأمل. حيث المبدأ الدائم أن نبادر لحماية الجميع بمنطلق أن السفن قد تغرق في العاصفة ولكن لا بد من التكاتف لإنقاذ البشر من الغرق معها. لذا مع كل متطلبات تحقيق برنامج التحول في أوضاعنا المحلية، نستمر في الفعل الإيجابي خارجيًا، ونتحالف مع القوى الصديقة لإبقاء الاستعداد لكل احتمال قادم. وأول أولوياتنا المتضحة أن نعيد الوئام والاستقرار للجوار، ونحبط أي خطط تترصدنا بنشر الدمار.
سنظل ندعو بتغيُّر الأوضاع إلى الأفضل. وبغض النظر عن توجس المشككين في النيات والقدرات، سنظل نسعى إلى تحقيق ذلك بالفعل الإيجابي المركز على العمل، وإيقاف التحبيط وتوسيع الشقاق والجدل.
فعلاً وسائل الإعلام وخصوصًا التواصل الإلكتروني بتويتر والواتساب تتيح فرصة لكل من يستخدمها أن «يعبر» عن رأيه أو «يؤثر» في فعل غيره سلبًا وإيجابًا. وقنوات التواصل تفيض بمعلومات بعضها مختلق ومصاغ ليحدث تأثيرًا انفعاليًا سلبيًا. وسيلة تقنية قابلة للتسخير والتوظيف.
ومهم أن نتبين الصادق بين الأصوات الصاخبة والهامسة، القريبة والبعيدة، الموجهة لآذاننا وعقولنا. ونذكر من يلتبسون بين أصوات التوعية وأصوات التصفيق النفعي، وأصوات التشكيك الهادم للثقة؛ في النور تتضح الأمور. وراء مساحات التعبير مفعول التأثير، وقد يأتي بلسمًا بانيًا أو سمًا في دسم أو مخدرًا قاتلاً للهمم؛ والعقلاء من يتأنون في التصديق ولا يتركون المجال لتحويل قدرة تلقي ما يقال إلى معاول للدس الهدام.