عبده الأسمري
طيلة السنوات الماضية، رغم الحظوة التي نالتها هيئة مكافحة الفساد، إلا أننا لم نشاهد ما يوازي الاسم والمأمول في ظل وجود سرقة أو فساد طالا المال العام.. ولا تزال حاضرة في ظل «استحياء» من نشر الفساد على محمله التفصيلي من «سرقة» أو من استغلال نفوذ أو إهدار المال العام أو رشوة.. وكل ما يظهر عناوين مبهمة، حتى أن بعضها لا يزال في طور الاجتماعات لإظهاره للعلن.
المال الوارد إلى كل جهة حكومية، أو سُلّم لمقاول أو متعهد ما، إنما مصدره الوزارات التي ورد إليها عبر ميزانية ومخصص مالي. وعندما يحوَّل المال فإن توزيعه يقتضي أن يذهب إلى مكانه الحقيقي، ولكن إذا وجدنا أن الرقابة المالية أحيانًا تراقب أرقامًا مجدولة في الأوراق، ولا تستند إلى عمل الميدان، فإن الرقابة ناقصة، والنتيجة غامضة، والحل مفقود، والحرامي يتجول بالمال، ورصيده يزخر به بعيدًا عن المنطقية في متابعة منبع المال ومجراه وأين استقر؟؟.. هل توجه إلى المشروع الذي يخدم المواطن بشكل مهني، أم أنه توزع جزئيًّا ما بين رصيد حرامي «عابر»، أو «لص» محترف.. وجزء من المشروع على آمال حصيلة إضافية تحت حجة مبررات عدة، يجيدها «الحرامية عندما يجتمعون».
إن أجزمنا باختفاء الحرامية أو نهاية ظاهرتهم فنحن نجانب الصواب، ولكن السؤال الأهم: كيف تتم السيطرة على هذه الجموع؟ وهل بيننا حرامية مختفون، أو آخرون يجيدون الاحتراف؛ ما جعلهم تمامًا كالمال السائب؟..
التشهير بالحرامية ظل وسيظل نقطة جدل وحديث اختلاف بين الجهات المعنية، وأيضًا بين توقعات الإيجاب والسلب، ولكن الأمر هذا يظل اجتهادات، لن يحلها إلا قرار رسمي، يقتضي المصلحة العامة في ذلك. ولكن هل الرقابة الموجودة كافية وشافية للقضاء على فلول الحرامية، وخصوصًا أني أجزم أن هناك حرامية ينعمون بالمال العام، وقد خرجوا من أسوار العمل بحقائب التنمية؟ سؤالي الآخر: هل عقدت جهات الرقابة بمختلف أنواعها ومسمياتها من هيئة الرقابة والتحقيق وهيئة التحقيق والادعاء العام والمباحث الإدارية وهيئة مكافحة الفساد وديوان المراقبة العامة اجتماعات أو اتفاقيات أو دراسات عميقة لرصد ظاهرة «السرقات من المال العام»، وكشف جموع «الحرامية» وأرتال «اللصوص» الذين نهشوا جسد الدولة؟ والأدلة في ذلك كثيرة ومتعددة؛ فالسجلات مليئة بالفساد، وهنالك ملفات لم تغلق حتى الآن، وهي تخص الظواهر التي حدثت في الوطن والأحداث الكبيرة.. رأينا قرارات لم تُفعّل، وتحقيقات لم تكتمل، ونتائج لم تظهر.الدولة - حفظها الله - وفَّرت ودعمت هذه القطاعات بالميزانيات وآلاف الموظفين لدعم الرقابة، وهو توجُّه للدولة منذ أعوام، ولكن هل واءمت هذه الزيادة في عدد الموظفين ردع الحرامية ووقف الفساد؟..
الحقيقة المرة والواقع الأليم أن هنالك فجوة بين الجهات الرقابية، وتباعدًا في المهام.
ندائي إلى كل الجهات الرقابية بأن تبحث في الملفات الشائكة، والأخرى المعطلة التي كان فيها اللصوص يسيرون في الساحة بعيدًا حتى عن الجدران، حتى وصلت في بعض المواقع إلى المجاهرة.. وكل ذلك يرجعنا إلى نقطة الخلل التي تحولت مع ضعف الرقابة إلى ساحات من سواد الفساد. وعليها أيضًا أن تحصر الحرامية، وأن تحاصرهم أيضًا؛ حتى نحمي «مال الدولة» من أعين تراقب، وأنفس تتربص لاقتصاصه، وحرمان الوطن والمواطن من النماء والسخاء.. وأتمنى أن يتحول المواطن والموظف إلى رقيب ذاتي؛ فمكافحة الفساد مسؤولية الجميع، وأمانة يُسأل عنها من يرى فسادًا ثم يصمت عن إظهار الحق؛ حتى يكون الجميع سدًّا منيعًا لوقف الفساد ومنعه بكل صوره وتفاصيله.