د. حسن بن فهد الهويمل
المتابعُ الواعي الحريصُ على حفظ كرامة أمته، وسلامة أشيائها، لا يمل الحديث عن سائر الظواهر السيئة: قولاً، وعملاً. فالفكاك منها منجاة للأمة، وإقالة لعثراتها المتلاحقة.
ومن لم يهتم بأمر أمته، لا يكون منها في شيء. ومما تتداوله وسائل الإعلام التوعوية:- [وطن لا نحميه لا نستحق العيش فيه]. وذلك حق ممطول.
وملاحقة الظواهر السلوكية غير السوية جزءٌ مهم من الحماية، بوصفها فرض عين على سائر المقتدرين.
ومما يتبدى بشكل مخيف، ثقافة التذيل، والانكسار، التي يستبق إليها [المستغربون] على مختلف مشاربهم، وتشكلاتهم.
هذه الثقافة البائسة تغري مفكري الغرب، ومؤرخي الحضارات بتجاهل القيم المعرفية التي تنطوي عليها [حضارة الإسلام] المُؤَسِّسَةِ لما لحق من حضارات.
وكيف يتأتى لـ[العروبيين] مناكفة [المستشرقين] فيما يقولون. ومن أبناء جلدتنا مرجفون سماعون بُلْه، لا يأخذون بضوابط الحديث في الشأن العام المتمثلة: بالتثبت. والكف عن المراء. والابتعاد عن التنازع. وسؤال أهل الذكر. والتحديث بالمعقول. والرد إلى أولي الأمر. وحسن الظن بالمسلمين. والتلطف مع الجاهل، والمجتهد المخطي، والمتأول.
فالمرجفون، والمتآمرون، والمتذيلون، ينشئون المُخَذِّلات، والمعوقات. ويتقبلون الإشاعات بآذان واعية، وقلوب غافلة، ونوايا سيئة. لا يمحصون. ولا يتثبتون. ولا يجهضون الشائعة، ويَئدونها في مهدها. بل يتلقونها كما لو كانت فصل الخطاب، وتربوا على ألسنتهم، كما يُرَبِّي أحدُنا فُلُوَّه. ثم يدفعون بها إلى الغوغاء، والدهماء، والفارغين الغافلين، فَتُشَكل منهم مَرَدَةَ، وخائفين، ومرجفين.
وما يدري أولئك أن للإشاعات صُنَّاعُها. وأنها تدخل في آليات [الحروب النفسية] التي تفكك التلاحم، وتوهن العزمات، وتمهد للحرب العسكرية.
وكل ما يعتري الأمة من الوهن، والحزن، والضعف، والخوف إن هو إلا ناتج الإشاعات المغرضة، المصنوعة على عين الأعداء.
لقد عِيْبَ السَّمَّاعون، وعيبَ [الأذن] وطَهَّر الوَحيُ رسول الله صلى الله عليه وسلم مما وصفه به المنافقون، عندما قالوا عنه:-
{هُوَ أُذُنٌ} فقال الله:- {أُذُنُ خَيْرٍ لَكُمْ}. وكم هو الفرق بين الأذن السَّماع، والأذن الفعال.
في البدء تكون الكلمة. وحصائد الألسن تكب الناس على مناخرهم في نار جهنم. ومن استخف بالكلمة أدركه الغرقُ، وكُبَّ وجهه في لجج الفتن. وما كشف المنافقين إلا حصائدُ ألسنتهم، وما تخفي صدورهم أكبر. وكم من فئات ضالة عُرِفت من لحن القول.
المستغربون بكل مسمياتهم، ونوازعهم، وسائر المتفلتين، والمتمردين ركبوا الموجة لتصفية خصومهم من [إسلاميين]، و[عروبيين] و[وطنيين] وما دروا أنهم جميعًا شركاء في السفينة. وأنهم بحملتهم الجائرة الجاهلة أول الهالكين.
فالمستعمر لا يثق بعملائه بعد أداء أدوارهم. وقادة الفتوحات الدهاة يستفتحون أعمالهم بعد النصر بتصفية العملاء قبل العلماء. لأن من خان وطنه فهو لما سواه أخون. و{كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا}.
ولكيلا نكون في أحكامنا مجازفين، أو منحازين، أو مُعَمِّمِين فإن من [الإسلاميين]، و[العروبيين]، و[الوطنيين] من لا يحمل من الانتماء إلا الاسم، ومنهم من يتعمد التدمير، والتجزيئية، والتعصب المقيت، تحت ألوِيَةٍ تعرف منها، وتنكر.
وما منا إلا راد ومردود عليه. ومناط الأحكام الظواهر. وحساب البواطن عند من لا تخفى عليه خافية.
الغرب بكل بوادره لا يبعث على الثقة، والراكن إليه كمن يركن إلى شفا جرف هار، ومع انكشاف أمره، فإن المصلحة في اتقائه بما يكفل دفع شره. فحوار الحضارات أفضل من صدامها.
لقد تبدت سوءات الغرب، وكشر عن أنيابه، وانفضحت نواياه، ولم تعد تعدياته بحاجة إلى حجاج. فهي من الوضوح بحيث يكون القول فيها من المراء الزائف.
ومن المؤذي أن ظاهرة [الإرهاب] أصبحت مطية َمَنْ لا مطيةَ له. يركب موجتها الحاقدون المُغِلوُّن، لتصفية خصومهم: حسًا بالقتل، والتشريد، والتدمير. أو معنى بتحميل الخصم كافة المسؤوليات، وجَعْلِه منتجًا للإرهاب، وصانعًا لثقافته.
وظاهرة [الإرهاب] إذ تكون احتمالية الانتماء، فإنها شَرْعَنَتْ لقوى الاستكبار التدخل العسكري في أي بقعة من بقاع العالم، لتنفيذ مهماتها التي قد لا تمت إلى الإرهاب بصلة. حتى لتكاد تكون فرية، لا تقل عن فرية [سلاح الدمار الشامل].
لقد أبيدت دول، وأسقطت أنظمة، وشلت حركات تحت وطأة هذه اللعبة المُضِلَّة. وما من أحد أدرك أبعادها القذرة التي أسَّسَت لنظامٍ عالميٍّ جديد، ولشرق أوسطي جديد.
وعلى طول الصراع الفكري، والطائفي لا نعدم مَنْ يساير صناع الإشاعات الكاذبة، ويسهم في خلقها، أو في تسويقها، وهو في كلا الحالين آثم قلبه.
ومَن ادعى الجهل فيما يقول، فإن عليه أن يُتْبِع إساءاته، باعترافه بالخطأ، وبذل الجهد في إشاعة الخير، وما يُصْلِح شأن الأمة، ويدرأ عنها عوادي الزمن.
وكيف يتأتى السكوت، وفينا من ينسب الظاهرة الداعشية إلى [السلفية]، ويعدها نبتة من نوابتها. فيما يتهم [ترامب] سلفه بخلقها، ودعمها.
ومن البلية المضحكة المبكية أن هذا الصنف المرجف محسوب من شهود الأهل، بحيث يبادر إطلاقاته سبعون ألف شرير، ليزيدوا بها العقبات في طريق الأمة القاصد، وكأن هذه الإطلاقات، وأمثالها تحقيق لتوعد إبليس: {لأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ}.
الظاهرة الإرهابية تنظيمًا كانت، أو ممارسات فردية هنا، أو هناك يتنازع نشأتها، وتكوينها، متآمرون، ماكرون، يكيدون للعروبة، والإسلام.
ومع وضوح الأمر، فإن الصناع المهرة يجدون البله، والسذج، والعاطفيين وقودًا، ونصيرًا، ومنفذًا للمآرب السيئة.
والإرهاب لا يجوز قيده في زمان، أو مكان، أو نحلة. لقد مورس ضد الرسول صلى الله عليه وسلم. واسْتُشهِدَ به الخلفاءُ الراشدون الثلاثة [عمر، وعثمان، وعلي] ولما يزل يراوح في ظهوره، وانتشاره، وانحساره في مختلف الأزمنة، والأمكنة، والملل، والنحل.
يكون وقوعات عارضة، ويكون ظواهر عامة، يكون منظمًا، مدعومًا، ويكون ممارسات فردية، لا يدري فيها القاتلُ لماذا قَتَل، ولا المقتول لماذا قُتِل. والمدبرون المتقنعون وحدهم الذين عندهم الخبر اليقين. وأخيرًا:-
[لا يُلامُ الذِّئبُ فِي عُدْوَانِهِ... إِنْ يكُ الرَّاعِي عَدوَّ الغَنَمِ]