د. محمد بن عبدالله آل عبداللطيف
لنعرف قيمة التحول حقيق علينا أن ننظر لأنفسنا اليوم ونقارنها بما كنا عليه يوم كنا صغاراً وليس أن ننظر لما كان عليه أجدادنا قبل مائة عام، ناهيك عن ألف عام مضى. علينا أن نتخيل وضعنا لو استمرينا في تحريم تعليم المرأة، والتلفون، والتلفزيون، والدش، والإنترنت، ولعب الكرة، والورقة وغيرها.. وقد لا يصدق البعض لو ذكرت بأن البعض حرم الكهرباء، والمرحاض الأفرنجي، بل المرحاض بوجه عام على أنه يحفظ النجاسة في المنزل. التحول سنة الحياة وهو جزء من التطور البشري ولا يعارضه عاقل، وخاصة بلا دليل قاطع.
ولكن للأسف في بعض الأمور المتعلقة بالدين من السهل أن تخدع بعض الناس، ومن الصعب جداً أحياناً أن تقنعهم بأنهم مخدوعين. من الأمور التي يخدع بها العامة للأسف هي النظرة لكل تحول على أنه خطر، ليس لأنه محظور ومخالف للدين وإنما لأنه مجلبة لخطر أكبر منه مشكوك في فرضيته. ويفترض بنظرة دونية وكأن الناس لا عقول لها لتفرق بين ما هو ماثل أمامها وما هو آت في علم الغيب محتمل الترتب عليه. والأسوأ أن هذه النظرة تفترض أن الغيرة على الدين أو الأعراض محصورة في فئة صغيرة احتكرت لنفسها تفسير كل ما هو كبير وصغير من أمور الدين، مع أن كتاب الله نهى عن مثل هذا الأمر، ونهى عن الظن السيء وإكراه الناس أو حملهم على أمور أساسية جوهرية في أمور الدين فما بالكم بأمور صغيرة عرضية مختلف عليها، {لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ}.
الله جل وعلا منح الإنسان عقلاً ليعمله ويتأمل به الكون، ليس الكون المادي فقط ولكن الكون الفكري والأخلاقي. ولو شاء الله لاختص بالعقول فئة دون أخرى وجعل التفكير محصوراً فيها، والوصاية التامة لها. ولولا تظافر الفكر والعقل لما صححت معتقدات بالية في حركات إصلاحية تاريخية مثل حركة الشيخ محمد بن عبدالوهاب، بل ولما هجر الناس أصنام الجاهلية ودخلوا الإسلام، فعمر رضي الله عنه دخل الإسلام بعد معرفته أن بعض الأصنام لا تنفع ولا تضر، وأن صنماً من التمر يمكن أن يؤكل ولا يستطيع من أمره شيء.
لو نظرنا ملياً لتاريخ الإنسان الفكري لأدركنا أن قدم الأفكار أو تواصلها أو توسع انتشارها بشكل كبير بين الناس لا يمكن أن يكون دليلاً قاطعاً على صحتها، ونحن لسنا استثناءً من هذا المبدأ. هذا ينطبق على بعض من الأمور التي ربطت بديننا وتشدد الناس حولها وآمنوا بها حتى تفشى بينهم القتل والدم. فنحن كسنة مثلاً، وربما غيرنا من ديانات أخرى، قد لا نصدق بعودة الإمام المهدي وفق مايطرحه البعض الان، ولا بولاية الولي الفقيه، لكنها بالنسبة لبعض إخواننا الشيعة هذا يقين وحقيقة مطلقة ونقاشها فقط يوجب القتل. وكانت الخلافة العثمانية تحرم لبس البنطال العسكري، وتحرم كثيراً من العلوم الحديثة ولم تفق لخطأ ذلك إلا بعد هزائم متكررة من جيوش غربية تطورت وتحدثت، وفي النهاية جلب العثمانيون خبراء من الدول الكافرة لتحديث جيوشهم لكن بعد فوات الأوان.
تاريخنا الحديث وللأسف سلسلة من الممانعات، والمحرمات التي يثبت وقتاً بعد الآخر أننا كنا على خطأ في اتخاذ مواقف غير صحيحة منها. البعض يرى أن الغناء حرام، والسينما حرام والترفيه عموما حرام وهذا حق له، ولكن ما ليس بحق له هو فرضه رؤيته على الآخرين، لأنه في الإسلام لا تزر وازرة وزر أخرى. والبعض يرى أن ذلك من قبيل المنكر قبل إثبات أن الأمر منكر لا جدل فيه. الأخطر من ذلك هو عندما تستضيف بعض الفضائيات مشائخ أجلاء وتعد المسرح من خلف الستائر لإحراجهم واستنطاقهم بتحريم بعض الأمور بتصويرها على أنها فساد، وأن ما يراد بها هو الإفساد مع أن الأمر غير ذلك، أو أنها لا تجوز وتتجاهل أن بعضنا يحارب في الحد الجنوبي، مع أنه لا رابط بين الأمرين، والجيوش التي تحارب على حدودنا جيوش نظامية محترفة. فهل يا ترى لو بقينا في بيوتنا ولم نسمع موسيقى أو لم نشاهد التلفزيون سيغير هذا الأمر في الجبهة شيئاً؟ وهل الجيوش التي تغني بل وتفجرُ كجيش عدونا الإسرائيلي أو الروسي انهزمت؟ ثم أننا بمنعنا الحفلات هنا ندفع أبناءنا لشد الرحال لحضورها لدول مجاورة تتوفر بها أمور تتجاوز الغناء، بما يترتب عليه مع الخسارة الاقتصادية مخاطر أخلاقية. نحن في مرحلة تحول وطني حساسة نحتاج فيها لتحكيم العقل لا التهييج والمبالغات. والسماح بالسينما أمر متأخر جداً وقد يذهل المتوجسين منها من ضعف الإقبال عليها. وربما أن علينا التذكير بأن استخدام الأساليب الملتوية والتهويل في الأمور البسيطة ليست من الدين ذاته ولا من الوسطية فيه. وللتذكير فقط فالسينما تعتبر في كافة دول العالم وسيلة الترفيه العائلي الأكثر احتراما، أكثر احتراماً من الترفيه الرياضي وارتياد المقاهي.