خالد بن حمد المالك
اختيار التوقيت المناسب، والوسيلة الإعلامية القادرة على إرسال الرسائل إلى الآخرين، ووجود ما يبرر لمثل هذا الظهور الإعلامي، كلها أدوات يحسن بالمسؤول أن يضعها باعتباره قبل أن يظهر للناس، وهي سياسة يلتزم بها محمد بن سلمان؛ فقد رأيناه يؤقت لأي لقاء صحفي معه دون إكثار، ويقدم جديدًا متى ظهر إعلاميًّا للناس، بما لا تفسير له إلا أن ولي ولي العهد يفهم جيدًا كيف ومتى يمكن استثمار الإعلام في خدمة مشروعه الطموح.
* *
لنقرأ شيئًا مما قالته مجلة (Foreign Affairs) عنه بتصرف: «محمد بن سلمان يتحرك بسرعة فائقة في المجالين الاقتصادي والثقافي، مع ضخامة التحديات والمخاطر التي لا يمكن مواجهتها إلا بالتحوُّل. وعلى الجميع عدم تفويت الفرص الفريدة الكامنة في السياسات الجديدة التي يقودها». وتضيف المجلة بأنه «لم يسبق أن انحاز أحدٌ إلى الشباب السعودي، أو تواصل معهم، مثلما فعل محمد بن سلمان في بلد أكثر من نصف سكانه أعمارهم دون سن الخامسة والعشرين؛ وذلك للاستفادة من طاقاتهم، واستغلال مهاراتهم من أجل تعزيز برنامج الإصلاح».
* *
المجلة وصفت الأمير محمد بأنه (مايسترو الإصلاح) في مرحلة إعادة بناء الاقتصاد السعودي ما بعد النفط. فيما نقلت المجلة عنه بأن إيران تمثل العلل الرئيسة الثلاث التي تعاني منها دول المنطقة، وحددها بالأيديولوجيات المتجاوزة للحدود، وعدم الاستقرار الداخلي لدول المنطقة، ثم ثالثًا دورها في تنامي الإرهاب، وأن هذه العلل وُلدت من رحم الثورة الإيرانية في العام 1979م، أي أنه سلوك جاء مع النظام الراديكالي في إيران. مؤكدًا أنه لا تلاقي ولا مجال لفتح قناة تواصل مع إيران لنزع فتيل التوترات طالما بقيت ملتزمة بتصدير أيديولوجيتها الاقتصادية، ومتورطة بالإرهاب، ومنتهكة لسيادة الدول.
* *
ويعترف الأمير محمد بن سلمان في حديثه للمجلة بأن المملكة ضحية للإرهاب، وأنها حليف رئيس في الحملة العالمية لمكافحة الإرهاب. وفي مقابل ذلك، فإن المملكة قادرة على فعل الكثير فيما يتعلق بمواجهة المتطرفين على نحو فعّال. وما يقوله الأمير يتفق مع الواقع؛ فقد تمكنت قواتنا الأمنية من هزيمة الإرهابيين حيث كانوا، لكن الخطر سيبقى قائمًا، ورجال الأمن ستبقى أيديهم على الزناد، يحمون ويدافعون عن أمن الوطن، بما لا مجال للمتطرفين بأي فرصة للإخلال بالأمن.
* *
تحدَّث الأمير عن قضايا وموضوعات كثيرة، أثارتها أسئلة المجلة؛ فهو - كما تقول المجلة - محاور بارع؛ فقد أكد أهمية وقيمة الشراكة مع الولايات المتحدة الأمريكية، مع إبداء مخاوفه بشأن عزوف واشنطن عن قيادة العالم، مثله في ذلك مثل معظم حلفاء أمريكا في مختلف دول العالم، منتقدًا سياسة اللامبالاة التي تنتهجها أمريكا منذ فترة طويلة، وقال إن صرفت أمريكا النظر عن دور القيادة فإن آخر سوف يملأ الفراغ، دون أن يكون بالضرورة قياديًّا جيدًا.
* *
ولم يغب قانون العدالة عن أجواء اللقاء الصحفي؛ فقد كان رأي الأمير أن على العقلاء من المسؤولين والمشرعين الأمريكيين أن يتوصلوا إلى حل لقانون رعاة الإرهاب، بما يقود إلى إجراء تعديل للقانون بطرق تحترم رغبات أسر ضحايا الحادي عشر من سبتمبر، مع المحافظة على المصالح الأمنية الأمريكية، وكذلك العلاقة بين الولايات المتحدة الأمريكية والمملكة العربية السعودية. وهو في هذا يلمح إلى أن أمريكا سوف تتضرر إن هي أقدمت على تطبيق مثل هذا القانون من طرف واحد؛ ما يعني أن دولاً أخرى سوف تأخذ بهذا القانون لمحاسبة أمريكا نفسها على ما اقترفته قواتها من تدخُّل وقتل في كثير من دول العالم، وقد تستثمر الدول الأخرى هذا القانون بمطالبة أمريكا بالتعويض المماثل لما ستطالب به واشنطن عن أحداث الحادي عشر عن سبتمبر.