د. جاسر الحربش
هذه الجملة، إسرائيل الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط، هي سلاح إسرائيل الأخلاقي الأقوى الذي تشهره في وجه العرب بعد كل جريمة ترتكبها وفي كل اجتماع للأمم متحدة أو لمجلس الأمن وللرد على أي تقرير حقوقي منصف. الجملة بحد ذاتها فعالة جدا رغم أنها ليست حقيقية ومضللة. العالم كله يعرف أن ديمقراطية إسرائيل عنصرية دينية تحتكر الديمقراطية للمواطن اليهودي فقط، ولكن العالم يعرف أيضا أن دول المنطقة التي تعنيها إسرائيل لا توجد فيها ديمقراطية لمواطنيها بالأساس. العكس ربما هو الصحيح، إذ أن دول المنطقة تتوخى الاقتراب من المفاهيم الحقوقية الديمقراطية مع الأجانب المقيمين فيها تجنبا للاحتكاكات السياسية مع الدول الأخرى.
بالرغم من إدراك الحقيقة إلا أن لهذه الجملة (نحن الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط) وقع السحر، ليس فقط في آذان وعقول من يعيش في دولة ديمقراطية حقيقية، بل وأيضا عند أي أجنبي يتمنى الديمقراطية لوطنه ومجتمعه. تكتمل فعالية هذه الجملة الدعائية المخاتلة بسبب سيطرة إعلام كاسح مكتسح يقدم للعالم تقارير مزعجة على مدار الساعة عن الأوضاع المأساوية في دول الشرق الأوسط بحروبه ومذاهبه وعداواته، ويتجاهل الممارسات الإجرامية التي ترتكبها إسرائيل ضد الأغيار الواقعين تحت سلطاتها المباشرة.
من الناحية العملية المنطقية ليس المهم لعب إسرائيل بورقتها الرابحة أخلاقيا بالإضافة إلى جبروتها العسكري الفعال، لكن المهم هو تدهور الأوضاع الحقوقية وابتعادها أكثر وأكثر في دول الشرق الأوسط عن الديمقراطية التي تحاربها إسرائيل بهذه الورقة. كون الحكومات العربية والعقلية الشعبية المدجنة تنفر من مصطلح الديمقراطية لا يزيد العالم الخارجي إلا اقتناعا بما تدعيه إسرائيل.
منذ انفجار الاحتجاجات في عدة دول عربية وغير عربية في الشرق الأوسط لم تتحرك الأوضاع نحو الانفراج الحقوقي بصرف النظر عن تسميته، بل نحو مزيد من القيود والسطوة الأمنية. الآن وصلت الأمور لدرجة قتل مئات الألوف من السكان وسجن أعداد أكثر وتدمير مدن بكاملها بحجة المحافظة على الدولة والوطن، فقط لأن الناس في هذه الدول طالبوا بشم شيء من رائحة الديمقراطية. في المجتمعات التي التزمت بالهدوء تحولت المحافظة على هذا الهدوء بأي ثمن إلى غاية الطلب وأغلى الأماني، كما تحولت أيضا إلى كرت أحمر يتم به تحذير الناس من المطالبة بالشفافية والمشاركة بالقرارات، ناهيك عن المطالبة بسيئة الذكر، الديمقراطية.
في هذه الأحوال الملتهبة يبقى ادعاء إسرائيل بأنها الديمقراطية الوحيدة في المنطقة أقوى من كل الأسلحة والخطب وقرارات الأمم المتحدة ومجلس الأمن. بهذه الجملة أصبح مجرم مثل نتانيهو زعيم الدولة الحقوقية الوحيدة وكل من حوله زعماء دول غير ديمقراطية تفتقد إلى مواصفات وشروط التعايش المشترك حسب الرأي العالمي.