محمد بن فهد العمران
مع إعلان شركة السوق المالية السعودية (تداول) مؤخراً عن مسودات مشروع تعديل المدة الزمنية لتسوية صفقات الأوراق المالية (T+2)، وعن الآلية المقترحة لذلك والتي من المتوقع أن يبدأ تطبيقها خلال الربع الثاني من هذا العام 2017م، فيجب أن نتفق أولا ً على أن هذا تطوير مهم لآليات عمل السوق نشكر «تداول» عليه تماشياً مع المعايير الدولية المطبقة في الأسواق المالية المتقدمة حول العالم (وإن كان له انعكاسات على زخم المضاربات في المدى القصير)، على اعتبار أن هذا التطوير هو مطلب أساسي لترقية السوق المالية السعودية إلى سوق موازية ولجذب الاستثمارات الأجنبية المباشرة كنتيجة طبيعية للترقية.
على الرغم من أن الآلية المقترحة تضمنت صراحة أن التسوية النهائية لأي صفقة شراء أو بيع (بما في ذلك اكتمال عملية التسليم مقابل الدفع) ستتم بعد يومي عمل من تاريخ التنفيذ، إلا أن اللافت أن الآلية المقترحة سمحت بإعادة الشراء والبيع عدة مرات ودون قيود قبل اكتمال التسوية النهائية والمحددة بيومي عمل، وهنا نتساءل: ما الفائدة من تعديل التسويات إذن طالما أن التسليم مقابل الدفع لم يكتمل بعد وهو السبب الرئيسي أساساً لتحولنا من التسوية الحالية (T+0) ؟ وكيف يحدث هذا في حساب نقدي للتداول يفترض أن يتعامل فقط مع الأرصدة النقدية الفعلية وليس الافتراضية ؟ وأين تعزيز مستوى حماية أصول المستثمرين (كما ذكر الإعلان) طالما أن التسليم مقابل الدفع مشابه للآلية الحالية ؟
عندما ندقق في قرار التعديل جيداً، سنجد أنه ستصبح هناك «تكلفة زمنية» للنقود تمثل تكلفة يومي العمل بغض النظر عمن سيستفيد منها (سواء كان مدير الحفظ أو الوسيط)، تماماً كما يحدث اليوم في أنظمة التسويات الدولية للحوالات المصرفية أو لتداول العملات العالمية، وفي حال افترضنا أنه سيتم السماح بإعادة الشراء والبيع عدة مرات قبل اكتمال التسوية النهائية فإنَّ هناك طرفاً سيكون خاسراً ولا شك واعتقد أن الوسيط هو من سيجد نفسه خاسراً مع بعض كبار العملاء النشطاء بسبب مبدأ التكلفة الزمنية عند استخدامهم للحساب النقدي للتداول cash account كمنصة تمويل مفتوحة ومجانية بدلاً من حساب خاص للتمويل margin account أسوة بما هو معمول به في الأسواق المالية العالمية وأهمها الأمريكية.
الأهم من كل هذا أنه طالما أننا نطور السوق المالية السعودية وفقاً للمعايير الأمريكية (إعادة تصنيف القطاعات كمثال)، فإنَّ الأنظمة الأمريكية للاحتياطي الفيدرالي وهيئة الأوراق المالية وتحديداً regulation t تنظر إلى أي عملية شراء أو بيع قبل اكتمال التسوية النهائية على أنها مخالفة قانونية باسم free riding violation يعاقب مرتكبها بتجميد حسابه لمدة 90 يوماً مع غرامة مالية، على أساس أنه باع شيئاً لم يملكه بعد أو اشترى شيئاً دون أن يدفع ثمنه بعد، وتكمن المشكلة في رأيي فيما لو اكتشف المستثمرون الأجانب بأنفسهم أننا نقوم بـ «شرعنة» مثل هذه المخالفة القانونية، وهذا بالتأكيد سيكون له تبعات سلبية على الثقة والمصداقية وربما سيتسبب هذا في تعقيد أو تأجيل قرار ترقية السوق المالية السعودية.
بقي أن أشير إلى أن الآلية المقترحة أعلاه تضمنت إجراءات تنظيمية لعملية البيع على المكشوف للأسهم، ومن أهمها ضرورة اكتمال عملية اقتراض الأسهم وإيداعها في محفظة المقترض قبل البدء بعملية البيع على المكشوف، وهذا تصرف حكيم من مسوؤلي «تداول» نوافقهم عليه بهدف حماية التداولات، لكن يلفت انتباهنا أن هذه الإجراءات لا تنسجم مع مبدأ السماح بالبيع والشراء عدة مرات قبل اكتمال التسوية النهائية أعلاه، حيث إنني لم أفهم كيف نشدد على ضرورة إيداع الأسهم المقترضة في المحفظة قبل تنفيذ البيع على المكشوف، وفي نفس الوقت نسمح ببيع الأسهم قبل اكتمال التسوية النهائية لها وقبل أن يَتمَّ إيداع الأسهم في المحفظة؟