د.عبد الرحمن الحبيب
الوفاة المفاجئة لهاشمي رفسنجاني الذي لعب دوراً أساسياً في النظام الإيراني الحالي، تطرح سؤالاً عن مدى تأثير غيابه عن المشهد الإيراني في مرحلة تقترب فيها الانتخابات الرئاسية بعد شهور، فضلاً عن البحث عن خليفة للمرشد الأعلى الذي يعاني من المرض..
كان رفسنجاني أحد أعمدة النظام الإيراني وأحد مؤسسي جمهورية الملالي، وتقلّد مناصب عليا للدولة، كمنصب رئيس مجلس تشخيص مصلحة النظام، ورئيس مجلس الخبراء، ورئيس البرلمان، وقائد القوات المسلحة، وإمام صلاة الجمعة في طهران.. وكان له دور أساسي في اختيار خامنئي، وقبله في ترسيخ نفوذ الخميني، إضافة لدوره الكبير في دعم المرشحين للرئاسة الأقل تشدداً مثل خاتمي وروحاني؛ وهو نفسه كان رئيساً للبلاد من 1989 إلى 1997.
باختصار، كان نفوذ رفسنجاني يأتي بعد المرشد الأعلى، لكن منذ سنوات تعرض لعزل تدريجي من قبل المتشددين، إلى أن أقصي من كافة مناصبه ولم يبق له من كل ما ذكر سوى منصب رئيس تشخيص مصلحة النظام، وعضوية مجلس الخبراء، فضلاً عن رفض «مجلس صيانة الدستور» ترشح رفسنجاني للانتخابات الرئاسية في يونيو 2013 .
لماذا تمت محاولات عزله؟ بسبب خلافه مع القيادة خاصة مطالبته باستبدال منصب المرشد الأعلى بمجلس قيادة؛ إضافة لانتقاده المستمر للرئيس السابق أحمدي نجاد المعروف بشدة تطرفه. وقد استمر المتشددون في محاولات عزل رفسنجاني باعتباره أقل تشدداً أو كما يراه البعض معتدلاً نسبياً..
نعود لسؤال المقال عن تأثير غيابه؟ من ناحية منصبيه اللذين شغرا، فعلى الأرجح أن يتولاهما شخص من فريق المتشددين الأكثر ولاءً لخامنئي الذي يعد متشدداً. ومن ناحية غياب نفوذه أو بقايا نفوذه فالأكثر احتمالاً هو أن ذلك سيزيد من دور المتشددين، ولكنها زيادة نسبية لأن رفسنجاني قد فقد أصلاً أغلب نفوذه.
إلا أن زيادة نفوذ المتشددين ليس بالضرورة ستأتي لصالحهم نظراً لأنهم أنفسهم يعانون من خلافات بينهم، والمتوقع زيادة الخلاف لسد الفراغ الذي سيتركه غياب رفسنجاني، والاستعداد للمنافسة الشرسة على الانتخابات الرئاسية المقبلة في يونيو القادم، والأكثر أهمية المنافسة على خلافة خامنئي نفسه؛ فغالبية أعضاء المؤسسات السياسية هم من المتشددين مثل: «مجلس الخبراء»، «مجلس صيانة الدستور»، «مجلس تشخيص مصلحة النظام»..
رغم ذلك ظل لرفسنجاني بعض نفوذ، إذ كان له دور بارز في دعم الرئيس الحالي حسن روحاني الذي سيفتقد هذا الدعم في الانتخابات المقبلة. إنما الأهم هو غياب دور رفسنجاني في التأثير باختيار المرشد الأعلى خليفة لخامنئي الذي يعاني من المرض؛ ففي حالة وفاة المرشد الأعلى فالذي يعين خليفة له وبسرية تامة هو «مجلس خبراء القيادة» وهو هيئة دينية عليا كان رفسنجاني يرأسها ثم عزل من هذا المنصب وتحول لعضو بارز فيها، كما جرت الإشارة.
بالمقابل فإن «الحرس الثوري» الذي يتميز بالتشدد العقائدي، ورغم تقلص المشاعر الثورية لدى الإيرانيين، فقد زادت سطوته نتيجة تمدده المالي والسياسي وليس فقط العسكري الذي صار بلا رادع، وصار متحكماً بمفاصل القرار الإيراني الداخلي والخارجي أكثر بأضعاف مما كان عليه الوضع قبل تهميش رفسنجاني. لكن هذا الحرس يعاني من سوء سمعة في الشارع الإيراني خاصة في المدن الرئيسية وعلى رأسها طهران، وتتزايد الشكوك في مصداقيته، ومن ثم في مصداقية مرشحيه. التأثير المتعاظم للحرس الثوري سيكون له دور سلبي في اختيار متشدد آخر خليفة للمرشد الأعلى الحالي، لكن مرشح الحرس الثوري لن يكون بلا تحد حقيقي من قبل المؤسسات العقائدية الأخرى سوى المتشددة أو الأقل تشدداً، رغم أن الحرس الثوري أصبح فعلياً على رأس تلك المؤسسات حتى قبل وفاة رفسنجاني، وسيزيد نفوذه أو على الأقل سيبقى نافذاً كما هو.
من سيخلف المرشد الأعلى الحالي؟ يذكر مهدي خلجي من معهد واشنطن في دراسته عن «القيادة المقبلة في إيران والعالم الشيعي»، أنه بينما كان صانعو القرار الرئيسيون في تعيين خلف المرشد الأعلى في عام 1989 عبارة عن حفنة من الأشخاص النافذين والمتعاونين إلى حد كبير مثل نجل الخميني ورفسنجاني، من المحتمل أن تكون الخلافة المقبلة في يد مجموعة كبيرة من المؤسسات المتنافسة وعلى رأسها «الحرس الثوري» الإيراني. ونتيجة لذلك، قد تكون هوية المرشد الأعلى المقبل أقل أهميةً مما كانت عليه في الماضي لأن المؤسسات التي ستوصله إلى السلطة سوف تتوقّع منه تطبيق أجندتها، وذلك باستخدام نفوذها الكبير لإقناعه بحماية مصالحها فوق كافة المصالح الأخرى. وفي هذه الحالة، سيكون من المنطقي الافتراض أن «الحرس الثوري» سيكون الخلف الفعلي لخامنئي.
الخلاصة أن تأثير غياب رفسنجاني محدود، أما مقولة الصراع بين المتشددين والمعتدلين فتحتاج إلى نظر، فأغلب الأسماء التي تعد من الفريق الإصلاحي لهم تاريخ حافل في التشدد، وصاروا حالياً أقل تشدداً ويميلون للبراجماتية نسبياً، لكنهم ليسوا معتدلين، إنما مقارنه بالفريق الآخر وعلى رأسه «الحرس الثوري» يطلق عليهم معتدلون أو إصلاحيون مجازاً. أضف إلى ذلك أن الانتخابات الإيرانية مقيّدة ومحصورة جداً في حفنة قليلة من الأسماء وصلت لحد منع رفسنجاني نفسه من الترشح!