د. محمد عبدالله الخازم
قبل أربع سنوات كانت كرة القدم السعودية تدار عن طريق الإدارة الحكومية. ميزانيتها غير معلنة، وتمثل جزءًا من مصروفات رعاية الشباب. إيراداتها غير معلومة، يتحكم فيها إداريون حكوميون غير متخصصين في اللعبة أحيانًا. لا تحوي لجانًا قضائية وتشريعية مستقلة، تفتقد الشفافية الكافية... إلخ.
الاتحاد المنتخب لأول مرة كانت مهمته تغيير كل ذلك، دون توقف العمل الميداني. ترى، لو أردنا تخصيص مرفق حكومي كم سنحتاج من الوقت والجهد لفعل ذلك؟ كم من الصعوبات ستعترضنا؟ كم من العقبات ستواجهنا؟ وهل سنتمكن من التخطيط وتنفيذ الهيكلة والعمل الميداني في الوقت نفسه؟
الوسط الرياضي أغلبه مشجعون لا تعنيهم الأبعاد الإدارية أعلاه؛ لذلك كان هجومهم مركزًا على رئيس الاتحاد الأستاذ أحمد عيد من منصة التشجيع الإعلامية أكثر منها منصة إنصاف إدارية اجتماعية. يُقال الحكم على الشيء فرع من تصوره، والإعلام والشارع الرياضي، وأحيانًا حتى المسؤول الرياضي، تصوره الملعب والمدرجات، بينما نحن ننظر للأمر من زاوية أشمل ثقافيًّا واجتماعيًّا وإداريًّا. أحمد عيد جاء عن طريق انتخابات فردية، تحدث لأول مرة بهذا الوضوح والشفافية، دون أن يتاح له اختيار فريقه أو قائمته، ورغم ذلك سار بدفة الاتحاد لبر الأمان. كان تركيزه على ترسيخ المفاهيم الديمقراطية والمؤسسية في عمل الاتحاد، بينما خصومه تشغلهم التفاصيل وحبك الاتهامات في مواضيع محل اختلاف، ويصعب الحكم عليها بشكل واضح، كأبيض وأسود..
كثير من العتب تركز حول صمت القامة أحمد عيد وتعامله بأعصاب من جليد مع كل النقد الصاخب، ومع كل الشتائم. وهذا أمر ثانوي، لا يعنيني باعتبار أن لكل قائد سماته وطبيعته التي ليست بالضرورة تناسب الجميع. اتحادات عربية حولنا عانت مشاكل وصعوبات، قادت إلى إيقافها من قبل (الفيفا) لعدم توافق مؤسسات الدولة مع مفهوم العمل الأهلي المستقل لاتحاد القدم الوطني. وأحسب أن الأستاذ أحمد عيد تحمل قسوة النقد والصمت والتخلي عن بعض حقوقه الشخصية؛ لأنه كان قلقًا في هذا الجانب. حاول تجنيب الاتحاد الوليد أية مصادمة ممكنة مع المؤسسة الرسمية، وقد أشار هو إلى أن أصعب مرحلة هي تلك التي تحول خلافه مع بعض أعضاء الجمعية العمومية للفيفا. بل ليس خافيًا أن المؤسسة الرسمية الرياضية تسببت في إحراجه أكثر من مرة، لولا حنكة الصمت التي اختارها..
اتحاد أحمد عيد رسخ مفاهيم العمل المؤسسي الحديث في كرة القدم السعودية، وحقق إنجازات غير مسبوقة في العمل الرياضي المحلي، ليس المجال سردها. وإذا كان فيصل بن فهد - رحمه الله - باني مجد الكرة السعودية الحديثة فإن أحمد عيد هو ربان مؤسس للعمل الأهلي الرياضي الحديث بالمملكة. أستغرب عدم تكريمه بما يستحقه من قِبل المؤسسة الرياضية الرسمية والأهلية، وأرجو إنصافه من قِبل المؤسسات الحكومية والأهلية فيما حققه في تأسيس مفهوم العمل الأهلي بأبعاده الثقافية والديمقراطية والمؤسسية.