إبراهيم عبدالله العمار
أغمض عينيك. سأضع في راحة يدك شيئًا. افتح عينيك. ماذا ترى؟ ترى مربعًا ذا لون بيج، صغير، بحجم بطاقة عمل.
الآن أمعن النظر. هل رأيت ما هو مرسوم على المربع؟ صورة بنفس نمط قدماء المصريين. صورة رجل، وأمامه رجل جالس. ما الذي يحصل؟
إنك ترى صورة الفرعون «دن» وهو يقهر أعداءه!
هذه هي الصورة الباهرة التي نستجليها من هذا الأثر التاريخي المربع المصنوع من العاج، طول كل ضلع 5 سم، رقيق. وقبل أن نتفصل في صورة الرجلين لنقلب هذه البطاقة الفرعونية، ونرى ما خلفها: مساحة فارغة، ما عدا.. صورة حذاء؟ نعم، ترى صورة حذاء على اليمين، نعل الفرعون. وهذه البطاقة لا تحمل تلك الصورة فحسب، بل كانت فعلاً مقترنة بنعل الفرعون لما توفي؛ لترافقه للدار الآخرة، لكن لا ندري لماذا؟ هل هي لتعرف الفرعون للآلهة المصرية القديمة التي تنتظر وصوله لهم؟ أم هي للعمال الذين سيضعون الملك في مدفنه؟ لا نعلم. لكن ستشعر بأنك قريب من هذا العصر إذا رأيت هذه البطاقة، وهو عصر أحد أول ملوك مصر، قبل 5 آلاف سنة، زمن يسبق ميلاد موسى عليه السلام.
كيف صنعت الرسوم؟ نحتوا في العاج، ثم ملؤوا الفجوات بمادة صمغية سوداء، فتكونت تلك الصور. ليس فقط نعل الفرعون بل الصورة التي في مقدمة البطاقة، وهي المذكورة في صدر المقالة، صورة الفرعون دن نفسه، فقد صوروه على اليسار واقفًا بعزة حاملاً سوطًا في يد وصولجانًا حربيًّا في الأخرى. من الرجل الجالس أمامه؟ إنه ليس جالسًا، إنه عدو، وهو خاضع مقهور، غلبه الفرعون، وأوصى بوضع هذه الصورة تخليدًا لقوته العسكرية التي قهر بها ليس فقط أهل مصر، بل كل وادي النيل من أقصى الشمال إلى السودان اليوم، وهي مساحة شاسعة، يدهشنا أن ملكًا آنذاك استطاع أن يحكمها في زمن كان معظم العالم فيه مجرد قرى صغيرة، لكن هذا الملك صنع ما يشبه الإمبراطورية الكبيرة، وهي بداية صعود مصر إلى قمة العالم حضاريًّا وعسكريًّا.
ترى صورة هذه القوة في معظم آثار الملوك القدماء بعد الملك دن؛ فالكل يحرص على أن يترك أثرًا يقول: كان هنا الفرعون فلان، وكان قويًّا جبارًا، قهر أعداءه وأعداء أمته. وهذا بالضبط ما في النقوش الهيروغليفية على أثر هذا الأثر التاريخي للفرعون دن: «سأبيدهم».
وقد أباد الفراعنة أعداءهم، وبادوا هم في النهاية، وصار الكل ترابًا، وبقيت بطاقة الملك دن تخلد عصر العز البائد كما يقولون.