د.ثريا العريض
أتابع ما يستجد في العالم محلياً وإقليمياً وعالمياً من المصادر الموثوق بها؛ فأصل إلى اقتناع يترسخ يومياً أن ما يعتبر حلاً إيجابياً يصفق له العقلاء والمتفائلون اليوم, سيعود يعد سنوات محملاً بالانتقادات, ومتهماً بأنه لم يكن حلاً مستداماً. مثلاً بين المستجدات أخبار المداولات حول كل منطقة صراع قريبة منا أو بعيدة, منها اجتماعات تعقد بين اليونان وتركيا وبريطانيا حول إعادة توحيد جزيرة قبرص في البحر الأبيض المتوسط بعد أن ظلت لعقود مقسومة بين نصف يتبع حكومة تركيا ونصف يتبع حكومة اليونان.
ولن يسأل إلا من ليس مطلعاً على أحداث التاريخ, لماذا بريطانيا تشارك في حل مشكلة حدود بين دولتين متوسطيتين ليست الإنجليزية اللغة الأم لأي منهما؟ فمن إرث هذه الدولة العظمى أنها مازالت موجودة بمشاكل حدودية حول العالم, من جزر الفولكلاند الأرجنتينية, حتى تايوان الصينية, والهند وباكستان, وإيران ودول الخليج العربية.
وإذ يحملني التفكير إلى الأحداث المستجدة في المنطقة العربية منذ منتصف القرن الماضي, أتساءل بيني ونفسي هل سيكون أي حل يتوصل إليه إقليمياً أو عالمياً حلاً دائماً؟ أم سيكون مثل حدود فلسطين وإسرائيل صيغة مطاطية يوقع عليها ولا يلتزم بها؟ ثم, حتى لو توصلوا لحل مرض للطرفين ولحكومات العالم الآن, هل من الممكن التوصل إلى حلول دائمة لتأزمات أو نزاعات آنية, في أي منطقة تتجاور فيها وتتعدد الإثنيات واللغات؟ ويتغير الرؤساء فتتغير التوجهات السياسية, وبالتالي العلاقات؟ وقد تمسي المعاهدات والاتفاقيات حبراً على ورق؟.
حاول الرئيس السابق أوباما أن يمحو من سجل تاريخ الولايات المتحدة ندوب ذاكرة علاقاتها الكارثية مع اليابان وكوبا, والمتوترة مع إيران, وحتى الدمار المتوسع بين الفلسطينيين وإسرائيل, فمضى وجاء الرئيس المنتخب ترمب بتوجه مختلف, معلناً حرفياً نيته بناء جدار بين بلده والمكسيك, بل وأن تدفع الجارة تكاليف بنائه لمنع هجرة مواطنيها إلى الدولة الجارة الواعدة بالثراء عبر الحدود.
العالم دخل 2017 مضطرباً على شفير غير مطمئن من الشحن العاطفي السلبي, و مستجدات بيئية ما زالت تحمل كوارث الزلازل والأعاصير والفيضانات والتسونامي لكثير من بقاع العالم. وما يضيفه البشر من توسع صراعات عسكرية مدمرة, وتنافر إيديولوجي, سيؤدي بلا شك إلى المزيد من الاشتعالات والهجرات هروباً من الموت في بؤر النزاعات. تواصل عقود من تداخلات الأحداث السلبية, أنتج تراكمات مريعة ولدت ملايين اللاجئين والهاربين من أوطان تحترق بفعل داخلي وتخطيط خارجي, وآلاف الضحايا الأبرياء بما في ذلك الأطفال.
الحمد لله, منذ تأسست المملكة وتوحدت دول مجلس التعاون الخليجي, ونحن بقعة سلام تمد أيدي الغوث لتعين الآخرين مادياً ومعنوياً, تفتح فرص الحوار بين الفرق المتضاربة لتعيدها إلى التعايش في سلام.
وهي نعمة من الله أن نكون في موقع المعين الحكيم.
الآن, في إطار مستجدات الاقتصاد والسياسة والتوتر إقليمياً لسنوات بفعل فاعل مستتر, وما نتج من النزاعات التي استشرت بفوضى الجوار, وتفاقمت بالإرهاب المقنع والسافر فدمرت الديار, وانتقلت إلى العالم البعيد بكل لغاته, يبقى السؤال: هل سيكون هناك حل مستدام؟
ومع تقلص القدرة الداعمة للغير مادياً حالياً, ماذا سيبقى من دور نلتزم به لنحافظ على توازن المساعي لاستقرار الجوار والسلام العام, والأمن في أوطاننا وأحيائنا؟
لندعو الله, بكل اللغات, أن يمن على العالم بالسلام مظلة أمان عبر كل الحدود تمحو من وجودنا البشري التنافر القاتل للإنسان.