مها محمد الشريف
الحرب عند «راسل» تُعد أكبر شر يُصاب به المجتمع، لهذا كان السِّلم واقعاً اجتماعياً مهما كانت جدلية الخطابات وخاصة الخطاب الديني وأثره على الوقائع، بمعنى تكليف الإنسان بما يستجيب مقياس فهمه وما يتوقف عليه في العلاقات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والعلمية، لذا، لا بد أن نعمل جميعاً على تشييده بإصلاح مفاسد الواقع الراهن في جميع جوانبه.
فيكون إصلاح البشر ضمن الشروط الأساسية لصحة العقل والمفهوم، ووحدة العامل الحاسم في القضاء على الحروب واستئصال الرغبة في خوضها، والبداية تكون بترميم الساحات الداخلية المتصدعة، وانتشال النفوس من غرق السخرية من الواقع، لأن الخوف في النفوس إحساس يتدنى معه مستوى التفكير والوجدان والمواجهة.
لا نعلم الآن ما الذي يحمله المستقبل من حاضر دموي مؤلم، أثره سيبقى إلى الأجيال القادمة، هل نستطيع القول إن الخوف هو الذي خلق هذه الحرب؟.. ولماذا قامت الكيانات الدولية الغربية بإنشاء مليشيات إرهابية في الشرق الأوسط بالذات؟، تقوم على إثرها لعبة التحالفات التي تسيطر على المنطقة، بدعوى القضاء عليها. ليس بإمكاننا قول أي شيء، ما لم نسلط الضوء عليه وعلى الأحداث ونذكر أدلة وبراهين تقود إلى الحقيقة.
وما قاله توماس مكوالاي عن الهند، يخبر بأن هذا التضاد يُطبق اليوم وكأن القرن 19 يكرر أحداثه وعباراته السياسية.
حيث قال: «لا أظن أبداً أننا سنقهر هذا البلد، الهند، ما لم تُكسر عظام عموده الفقري التي هي لغته، وثقافته، وتراثه الروحي».
فلا يمكن على ضوء هذه السياسة أن نستبشر خيراً في تحرير العراق أو سوريا أو ليبيا أو اليمن، من القاعدة أو داعش الذي يفجّر جسور دجلة ويتحصَّن غربي الموصل، حيث فجّر مسلحو تنظيم داعش، ما تبقى من جسور تربط بين الجانبين الشرقي والغربي لمدينة الموصل شمالي العراق، بينما يخوض الجيش العراقي عملية لاستعادة المدينة من التنظيم المتشدد منذ منتصف أكتوبر الماضي. وهذا يُعد القصف الظاهر قبل تفجير الجسور التي تربط السكان بأرضها وحضارتها.
لقد رسمت أمريكا وروسيا خرائط جديدة للشرق الأوسط والتنفيذ ما زال جارياً، غررت بإيران حتى تمكنت منها واستخدمتها أداة للحرب في الشرق الأوسط، هي في الحقيقة مؤامرة تدفع ثمنها الدول العربية - مؤامرة خيانة ينفذها شياطين إيران بإيعاز من الدول الكبرى -، منحتهم مزيداً من الوهم ودفع لهم أوباما الطُّعم، في انتظار الصيد الأكبر.
بتلك المجازر والتفجيرات والعربات المفخخة التي تقتل المدنيين الأبرياء، نسأل من هم العرب اليوم في العراق وسوريا؟، تساؤلات تحمل في جوهرها مزيداً من الجراح المثخنة بالأسى، فكل ما يمر بنا نجده مبعثراً هنا وهناك، كل قسم له قائد وثقافة وسياسة وأهداف.
إن هؤلاء المشحونين بكراهية أهليهم، وثقافتهم، وتاريخهم يتكفلون بالمهام «فلا الاحتلال يُسمى باحتلال ولا المقاومة تُسمى بمقاومة، وما جاء به هذا الكتاب «أمريكا والإبادات الثقافية» يُطبق على أرض الواقع الراهن.
يُوضح لنا استباحة العقل والجسد والأرض، لصالح الرجل الأبيض، وما يحدث من انتهاكات في سوريا والعراق مدبر، وهو تكملة لسلسلة الإبادة والعنف، وفضائح سجن أبو غريب وغيره، ليست عملاً عشوائياً، ولا نزوة من سجَّان سادي أو مختل كما يحاول إعلامهم تصويره، بل تدخل ضمن سياق عملية منظمة لكسر الضحايا وإفقادهم الأمل في المقاومة، فلا يبقى أمام الشخص المُنتهك إلا أن ينتحر، أو أن يستسلم لشهوات الرجل الأبيض التي يلخصها لانسلوت أندروس بقوله:
«الأرض قطعة من اللحم موضوع على المائدة. يقطع منه الإنسان ما يشتهي. وما إن يضع القطعة في صحنه حتى تصبح له».
لا نملك إلا توعية الشعوب والمجتمعات العربية وتقوية صفوفها وعليها أن تحافظ على تكوينها ونسيجها الداخلي، وأن تملك عزيمة قوية على التصالح مع حكوماتها، لكي ينتقلوا إلى السلام الكبير والدائم، وعلى إيران استئصال العضو الغربي من جسدها وتودع الحروب نهائياً، وتنعم بسلام مشترك مع دول الجوار، لأن النهايات شارفت على الأبواب بعد استنزافها في الحروب الخاسرة.