ياسر صالح البهيجان
مرّت لبنان لأكثر من عامين بفراغ رئاسي قبل أن يُنتخب ميشال عون رئيسًا للجمهوريّة الذي فضّل الابتداء بزيارة السعوديّة في أولى جولاته الخارجيّة، لما تحمله المملكة من مواقف نبيلة، أبرزها اتفاقيّات المصالحة بين الأطياف اللبنانية لاستعادة الأمن، وتوليها إعادة إعمار أي خراب تواجهه لبنان جرّاء التصرفات الرعناء من الميليشيات الطائفيّة التابعة لإيران في الجنوب اللبناني، فضلاً عن الدعم السعودي السخي لاقتصاد جمهوريّة شجرة الأرز، التي جنبت اللبنانيين من ويلات اقتصاديّة كانت بلادهم على وشك مكابدة آثارها السلبية.
الحكومة اللبنانية الجديدة تُدرك بأن توطيد علاقتها بالسعوديّة يشكّل حجر الزاوية إن أرادت المضي قدمًا في تحسين الأوضاع السياسية والاقتصادية والتنمويّة في البلاد، كما أنها تبدي رغبة غير معلنة بإيقاف التدخلات الإيرانية السافرة في شأنها الداخلي، إِذ إن لبنان تمثل فسيفساء من الأعراق والمذاهب والأديان، ويتوزّع شعبها على 18 طائفة معترف بها، فضلاً عن اللاجئين الفلسطينيين المقدر عددهم بـ280 ألفًا، والعراقيين الذين تجاوز عددهم 100 ألف لاجئ، ولا يمكن لثقافة تصدير الحرب والفوضى التي تسعى إيران لزرعها في الداخل اللبناني أن تُنتج سلامًا ووفاقًا بين تلك التشكلات السكانيّة ذات الاتجاهات المختلفة والمتعددة.
حكومة عون تدرك بأن التقارب مع أي دولة عربيّة يفرض عليها العمل على بسط سيطرتها على الأراضي اللبنانية كافة، واتخاذ التدابير الصارمة تجاه الميليشيات الطائفيّة المدعومة من طهران التي تتدخل علنًا للقتال إلى جانب النظام المجرم في سوريا، والعمل على نزع سلاح تلك الميليشيات لضمان سيادة الجيش الحكومي بوصفه الجهة العسكريّة الرسميّة في البلاد، وإن تتعامل مع تلك الجماعات الخارجة عن القانون كجماعات إرهابيّة تهدد أمن وسلامة اللبنانيين قبل غيرهم من دول الجوار العربي.
اللبنانيون يؤمنون بأنهم جزء من النسيج العربي، ولن يقبلوا المساومة بالتخلي عن انتمائهم للمنطقة العربيّة مقابل المشروعات الطائفيّة الزارعة لألغام الفتنة والاقتتال والتناحر، لذا لا يمكن أن تتحقق الطموحات الإيرانية في جعل لبنان إحدى الدول التابعة لها سياسيًا، لا سيما أن تدخلات طهران في الشأنين السوري والعراقي لم تُخلف سوى الدمار والتهجير وجرائم الحرب والإبادات الجماعية.
يُدرك اللبنانيون قبل غيرهم ضرورة استتباب الأمن في بلادهم، وقد جرّبوا مرارة الحرب الأهلية التي دامت أكثر من 15 عامًا وراح ضحيتها ما يزيد عن 150 ألف قتيل، لذلك سيرفضون سيادة مبدأ الفوضى الذي تسعى إيران إلى توطيده عبر دعم الميليشيات الطائفيّة وجرّ البلد المسالم إلى تخوم الصراع في المنطقة، كما أنهم لن ينجرفوا خلف شعارات زائفة تدعي مقاومتها ونضالها عن القضايا الإسلامية، وسيظل اللبنانيون متمسكين بالتقارب مع الدول العربية ذات المواقف المشرفة والداعية دومًا للاستقرار والسلام من أجل أن تبقى لبنان بلد التعدديّة الثقافيّة والديمقراطيّة والحريّة والتعايش والأمان.