ناصر الصِرامي
المتابع وحتى بين وقت وآخر للصحافة الورقية يدرك وهو يقلِّب الصفحات حجم المعاناة التي تعيشها المؤسسات الصحفية اليوم.
أولاً.. الصفحات الرئيسة والملوّنة التي كانت تتزاحم بالإعلانات لم تعد كذلك. وأتذكر في مسيرة عملي السابقة أنه كانت تواجهنا أزمات أحياناً تتطلب «واسطة» عند رئيس التحرير لمنحنا مساحة إعلان مميزة، واسطة إعلانية لم تكن تحقق أهدافها دائماً، فالأهم الإعلان التجاري ومن يدفع أكثر.. ويدفع أولاً!.
ثانياً.. الصفحة الأولى والأخيرة الأغلى والأكثر طلباً في كل الصحف، لكنها كانت أيضاً لمعظم الصحف متخمة بالإعلانات، وقد تتطلب حجزاً مسبقاً لأسابيع أو حتى أشهر لصالح بعض المساحات الإعلانية المميزة.
إلا أن الصورة اليوم التي نشاهدها لصحفنا وصفحاتها الرئيسة تغيرت، دعوني على الأقل أبدأ من بداية هذا العام - وقد تابعتها بدقة لغرض دراستي الأكاديمية الآن لدرجة الدكتوراه - صفحات خالية وشبه خالية من الإعلانات التجارية المدفوعة مباشرة أو غير مباشرة، بشكل لا يمكن أن يمر على عين مجرب أو متابع أو مراقب أو قارئ دون أن يلحظ هذا التراجع الإعلاني الورقي الكبير.
هل هي أزمة الصحافة الورقية والضغط الهائل الذي تمارسه السلطة الرقمية.. من أجل إزاحة السلطة الورقية عن عرشها داخل بلاط صاحبة الجلالة..؟! إم هو مؤشر على الوضع الاقتصادي العام، ليس محلياً، إقليمياً وعالمياً، كما تحولاته وأوضاع العالم إجمالاً...؟!
الحقيقة تكمن في السؤال أعلاه... هو السؤال وهو الجواب في الوقت ذاته..
فبسبب الضغط التقني والاقتصادي تواجه الصحافة التقليدية وبعض مؤسساتها وضعاً مالياً حرجاً للغاية، فيما يواجه بعضها الآخر - الذي يعد الأفضل - تراجعاً كبيراً في مداخيلها، وبالتالي عوائدها قبل أرباحها.. أدى إلى تسريح موظفين وخفض مكافآت.. وربط حزام المصروفات.
الصورة غامضة أمام الصحافة الورقية التي تواجه تراجعاً في الإعلان، في دخلها الرئيس.. لكن الصحف ومؤسساتها والقائمين عليها يحاولون المقاومة، إلا أن المشكلة في تصوري تكمن في مكان آخر تماماً...!
إنها بوضوح في حملة الأسهم القدامى للمؤسسات الصحفية منذ عقود مضت، وبعد أن تحولت الصحافة من صحافة أفراد إلى مؤسسات صحفية.
هؤلاء المساهمون - أو جيلهم الثاني أو الثالث - حققوا عوائد كبيرة على استثمارهم الأصلي، وما تبقى ليس إلا وجاهة اجتماعية، فالأرباح بعد هذه العقود لم تعد أمراً ملحاً، بالتالي لا تستحق قضاء الوقت للبحث والمعالجة والتطوير لهذه المؤسسات.. والبحث عن سبل لتحقيق أرباح إضافية أو مستقبلية، إنه استثمار شبه منتهٍ بالنسبة لهم...!
لذا بصراحة، يجب أن ندرك قبل أن تتلاشى هذه المؤسسات تماماً، إنه ودون دخول أموال جديدة محملة بأفكار استثمارية واعدة ومستقبلية، ودون وجود أي مغامرات رقمية في الإعلام المتجدد، فإن التاج أو العرش سيذهب للإعلام الرقمي بمؤسساته الجديدة أو حتى الفردية...
وستخرج هذه المؤسسات الصحفية التي لم تستجب للواقع، أو أهملت الإعلام الجديد وجمهوره وسقفه من الساحة تماماً.. وهو أمر طبيعي... بعد أن أصبحت رسمياً صاحبة الجلالة رقمية بكل سلطاتها..!