د. عبد الله المعيلي
من سمات الإنسان أنه اجتماعي بفطرته، وأنه لا يمكن أن يعيش وحيدًا منعزلاً عن غيره من بني البشر، ولذا كل الأشخاص الأسوياء يتمتعون بعلاقات اجتماعية متعددة، مع الأقرباء والزملاء والأصدقاء والجيران وفريق العمل وغيرهم من صور التكامل والتواصل الاجتماعي، وفي كل الأحوال تتوثق العلاقة وتتواصل بقدر شعور كل واحد ممن له علاقة بهم بالود والمحبة والتعامل الأخوي الذي لا تفرقة فيه ولا تعال ولا ترفع، لكن تسول للبعض نفسه بأن مكانه بين المجموعة الفريق الذي يعمل معهم، أو الزملاء والأصدقاء لا يليق به، باعتبار أنهم أقل شأنًا منه، وأنه يستحق مكانة ومنزلة أكبر من الجميع وأميز منهم، فهو أكثر من أن يتعامل معهم، أو يختاط بهم، أو يتواصل اجتماعيًا ويشاركهم وجدانيًا في مناسباتهم الخاصة أو العامة، كبرياء وغرور لا مسوغ له البتة.
هذه الفئة من الناس مصابة بداء وعقد، يجعله يضخم ذاته بصورة فظة، فيتعالى ويعظم من قدره، فهو يترفع عن من يرى أنهم أقل منه شأنًا حسب معاييره المرضية، لذا يترفع عن مخاطتهم والتعاون معهم على اعتبار أنه أكثر وأكبر من أن ينزل إلى منزلة هؤلاء الأشخاص الذين لا يمثلون شيئًا مقارنة به.
قال تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ أنا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شعوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إن أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إن اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِير}ٌ (13) سورة الحجرات.
عن عائشة رضي الله عنها قالت: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: «الأرواح جنود مجندة، فما تعارف منها ائتلف وما تناكر منها اختلف» صحيح البخاري.
التقوى والإخلاص في العمل هما من يحدد مكانة المرء ومنزلته، ليس شكله ولا منصبه، وليس بمقدار ما يمتلك من المال، يقول حاتم العوني:
ترى الرجل النحيل فتزدريه
وفي أثوابه أسد هصور
يروي أحد الذين يذهبون إلى البراري أيام الربيع كي يجمعوا الروض والعرفج والشيح ليطعموا بها مواشيهم، يقول: في إحدى المرات بينما أنا ورفيقي وكان طويلاً ضخم الجثة متكبرًا متعاليًا، بينما كنا نجمع الأعشاب إذا بمجموعة من قطاع الطريق «حنشل» يهجمون عليهما ويطالبونهما بما معهم من زاد وماء وتمر، يقول الراوي: حين تبين لي خوف صاحبي من «الحنشل» طلبت منه أن يمسك بعصا طويلة ويتكئ عليها ولا ينبس ببنت شفة، وقف الرجل وهو يرتعد خوفًا، بينما تصدى الرجل الضعيف القصير لهؤلاء «الحنشل» وقال لهم متحديًا: زادنا وماؤنا تحت ذيك الشجرة، توجهوا لها وأخذوا كل زادهم وما معهم من ماء، وعندما هموا بالذهاب لحقهم الرجل الطرير وتشاجر معهم وأصاب كل واحد منهم حتى سال دمه.
لقد تفوق هذا الرجل الضعيف على صاحبهم الذي دائمًا ما يزدريه ويتكبر عليه، بعد هذا الموقف تبين أن الرجل المغرور بنفسه، وأنه مجرد طبل أجوف، تخلص منه ولم يعد يصاحبه لا في حضر ولا سفر.
حقًا الرجال مخابر وليست مظاهر.