خالد بن حمد المالك
المملكة دولة قوية، وإن احتكم قادتها للعقل في تعاملهم مع الأحداث، وإن مارسوا الهدوء الذي يسبق العاصفة مع كل تحد يمس أمن الوطن والمواطن، وإن أخذوا أولاً بالحوار والتفاهم بديلاً للحروب التي تأخذ الأخضر واليابس، فهم هكذا يزنون الأمور بميزان العقل، ويتصرّفون بما تمليه عليهم مصلحة بلادهم، دون تهور، ومن غير استسلام، أو مهادنة قد تعرضهم وبلادهم ومواطنيهم للخطر.
* *
وفي كل موقف، وأمام كل تحد جديد، يظهر صوت المملكة قوياً وهادراً ومسموعاً ومؤثراً، بما لا يمكن لعاقل إلا أن يفهمه، ويتجنّب التصرّف المعادي للمملكة الذي ربما كلّفه الكثير، فالحلم والهدوء لا يعني الضعف، والمحاولات الاستباقية لتبريد الخلافات لا تعني أكثر من أنها فرصة للطرف الآخر لمراجعة مواقفه السلبية من المملكة، ومن أنها رسالة مهمة له وعليه أن يفهمها قبل أن تكون فرصته للتفكير والتأمل قد طارت كما تطير الطيور بأرزاقها.
* *
لماذا هذا الكلام، ما غرضه، وما الهدف منه، ولماذا جاء توقيته الآن، وليس قبل ذلك، وهل هناك من موجب لقوله، وضرورة للتذكير به، ومصلحة بأن يكون موضوعاً للنقاش، فيما أن شيئاً لم يتغيّر في منطقتنا، سياسياً، وأمنياً واقتصادياً، فالمؤامرات هي المؤامرات، والإرهاب لا يزال على ما هو عليه، وسياسة إيران في تدخلها بالشؤون الداخلية لدول المنطقة العربية لم تتغيّر، وفي مقابل ذلك فالروس يمارسون عملاً عسكرياً في سوريا غير واضحة أهدافه ومراميه، بينما جاءت سياسة الرئيس الأمريكي المنتهية ولايته (أوباما) ليخلي الساحة في منطقتنا للروس، متخلياً بذلك عن أصدقاء أمريكا التاريخيين، فضلاً عن مواقفه السلبية منها.
* *
الإجابة عن هذه الأسئلة وغيرها مما تضيق المساحة عن ذكرها، أوحى بها لي ذلك الحديث القوي المؤثّر للأمير محمد بن سلمان، لمجلة (Foreign Affairs) الأمريكية، فقد قال ما يجب أن يقال، وتحدث بما لا يقوله إلا الكبار وهو منهم، ورفع صوته إلى المستوى الذي يعبّر عن مكانة المملكة وملكها القوي، وجاء اللقاء الصحفي لولي ولي العهد، واضحاً وصريحاً، ما يعني أنه ليس لديه ما يخفيه، أو يغيّبه، عن المواطن السعودي، وعن العالم، وهي ثقة لا حدود لها، وقوة يستلهمها من قوة بلاده، وتوجه من الأمير يقوده إليه التاريخ الذي أنصف المملكة في كل زمان ومكان، فهو إذاً أمام مسؤوليات ومتطلبات وظروف تقتضي منه أن يكون هكذا في تعامله مع الأحداث والتطورات المتسارعة التي تمس مصالح المملكة في الصميم سلباً أو إيجاباً.
* *
فمن حديث الأمير محمد نجتزئ بعض العناوين، فقد نفى وجود علاقة لـ»الوهابية» بالإرهاب، لأن الوهابية نشأت منذ ثلاثة قرون، فلماذا لم تتهم ولم ينسب الإرهاب لها إلا الآن، وفي شأن آخر فهو يستبعد التفاهم مع إيران طالما استمرت في تصدير أيدلوجيتها الإقصائية، والانخراط في الإرهاب، وانتهاك سيادة الدول، ويضيف الأمير بأن لديه ثقة في قدرة المسؤولين والمشرّعين في أمريكا في التوصل إلى حل عقلاني بشأن قانون (جاستا)، ويقول عن الإرهاب بأن المملكة عانت منه، وأنها نجحت في هزيمته بضربات استباقية.
* *
هذه عناوين لبعض ما قاله الأمير، بينما قالت المجلة عن سموه إنه (مايسترو) التغيير والإصلاح، وأنه يملك قدراً كبيراً من الثقة، وأنه دافع عن قضية بلاده بقوة لم يسبقه إليها أي مسؤول سعودي، وأنه كان محيطاً إحاطة كاملة بموضوع حديثه، وواثقاً من نفسه، رغم أنه كان أصغر الحضور سناً خلال اللقاء، وأنه كان لأسلوبه في الحديث جاذبية خاصة، وأن المهم أن الأمير ماض في تنفيذ مسؤولياته بكل ما يتطلبه ذلك من حسم وواقعية، مختتمة المجلة تأكيدها - وهي تتحدث عن الأمير- بأنه ليس من الحكمة تكوين تصور كامل عن ولي ولي العهد من خلال لقاء واحد.
- يتبع