د. صالح بن سعد اللحيدان
جرت العادة منذ أقدم العهود في أمم قد خلت أن وضع الساسة منهجية العمل على محك صدق القول وصدق العمل في آن.
وكانوا يرون المدح والمبالغة فيه. فيه شيء من التصنع فكانوا لا يذهبون إلى ما يراه هذا أو يراه ذاك ممن يكيل الثناء أو يكيل المدح خاصة من عرف بهذا على كل حال وفي كل حال.
وفي التحليل العملي والتحليل العلمي الاستراتيجي لسبر غور قفزات التاريخ عبر مروره بين حضارة وحضارة يتبين أن الملاحظات العاقلة الحكيمة التي يحيطها الصدق صدق التوجه كان ذلك هو المطلب الذي ينحو نحوه العظماء من الحكام فكانوا يلقون له البال كل البال فرب نظر مكين ورب ملاحظة ولو كانت قاسية غير مسبوقة تكون لبنة في أساس البناء وشد الظهر فكانوا يولون هذا الشغف ويرتاحون إليه لاسيما والملاحظة إذا بنيت على علم وفهم مكينين تحتاجهما الدولة خاصة أيام شدة الحذر من العدو القريب قبل العدو البعيد.
والثناء والإطراء لا شيء فيهما لكن قد يدفع هذا بالعاطفة على مكان العقل فتحل مكانه ثم يقفز إلى جوارها القلب فيسبب هذا وهذا أن تُنسى أمور مهمة بسبب العاطفة وطغيان القلب ورؤيتهما وحكمهما على الأشياء.
وهذا يدفع إلى تغييب مالا يجب تغييبه من أجل ذلك كان الخُلّص ( بضم الخاء وتشديد اللام ) من ساسة الدول يحتوون ذوي النظرة المتمكنة وذوي النظرة المتجددة وذوي النظرة الحكيمة الواسعة النظر لطرح الرؤى بينهم وبينهم دون أن يظهر هذا علانية للعامة لتكون الشوكة قوية مُهابة دائماً بواسع قوي من الشفافية والدهاء والعدل.
والكتابة في المصنفات والكتابة العابرة وكذا الشعر وطرح الآراء المبثوثة عن طريق النشر ما كان ذلك ليجدي نفعاً إلا النفع القليل ولهذا كانوا يختصرون بذوي العقول النيرة والآراء الصواب مشافهة.
وهذا الاحتواء كان ديدن ذوي العقول الجليلة من الحكام في غالب الدول في أحايين متفاوتة.
لأن هناك من الآراء الثقيلة والآراء القوية التي تكفل بقاء الدولة وعزتها ما لا يحسن نشره لعدم هضمه أحياناً وأحياناً.
من أجل ذلك لعل أحد علماء التابعين في علم السير والأخبار هو من قال (نستعين بكل رأي ظاهر لكننا نبلغ خالص الاستفادة من المشافهة حتى ممن قد لا نرغبه وسوف يظهر لنا أننا نرغبه) ولعل برنارد شو هو من حكى هذا فهو يقول: (قرب من لا تحبه أو تشك فيه فلعلك قد أخطأت في حقه).
ويقول كسرى انوى شروان: (البعيد لا أرتاح إليه في مشورة قد أكون أخذ منه صواب الرأي إذا أنا حويته).
لعله يريد احتويته وقربته.
ومن هنا أعود إلى أساس هذا المعجم فأذكر ما يلي:
1- دول جمع دولة وهي كل مملكة أو جمهورية لها حدودها ونظامها وسياستها.
2- دولة من التداول وشيء يخلف شيئاً وباب هذا واسع.
3- دالٌ يراد به على هذا المعنى عودة شيء بعد شيء ومنه تداول ومعنى ذلك تناقل الشيء يقال : تداولت الصحف الأخبار بمعنى نقلتها ورددتها أو علقت عليها.
4- دولة تصلح أن تكون علماً من الأعلام على شيء من ذكر أو أنثى وأحياناً يكون لقباً فيقال مثلاً دولة الرئيس دولة السيد أو دولة الأستاذ.
5- نداول من التداول وهو تقليب الأمر من حال إلى حال أو صفة وصفة أو وضع ووضع قال تعالى: {وَتِلْكَ الأيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ}.
6- أدل بمعنى أبصر.
7- يدل أو يدل عليه وهذا واضح.
8- دول الأيام دول ليس بحديث فلعلها حكمة جرت بين الناس.
وباب هذا واسع نأتي عليه إن شاء الله تعالى في الجزء الثاني عشر.