ما زلتُ أعجِنُ لحظةَ الإشراقِ
بدمي، وأسهرُ في انتظارِ بُراقي
ما بين إسرائي ومعراجِ المُنى
وقف الزمانُ مفتّشًا أوراقي
وعجوزيَ (الخمسونَ) توغِرُ عينُها
وجعَ السنينَ بغَمزِها الحَرّاقِ
خمسون يدفع بعضُها بعضًا إلى
كهفٍ يرتّلُ (آيةَ) الإطراقِ
تمتصُّ ما تركتْ بشِريانِ الهوى
أفعى الزمانِ، وتستلِذُّ عناقي
و(رَقاشُ) أحلامي تطوِّقُ نفسَها
وهْمًا، و(عَمْرٌ) شبَّ عن أطواقي
والدربُ حنظلةٌ تعلّلُ حظَّها
أن المرارةَ مطمحُ الدُّرَّاقِ
صورٌ ترُجُّ النفسَ، ماذا في يدي
وأنا أجادلُ مقلَتَيْ خَنّاقي؟
* * *
حسبي وقوفي - والعشيُّ مشاغبٌ
للروحِ- بين حدائقِ الأشواقِ
ومعي صبايا العمرِ حولَ أريكتي
يحملنَ لوزَ الشمسِ في الأطباقِ
يُسمِعْنني اللحنَ السخيَّ جلالةً
فأطيرُ صوبَ ممالكِ العشاقِ
والسمعُ إن ألِفَ اللحونَ شجيّةً
لم يستجِبْ لضيافةِ الأبواقِ
* * *
أثخنتُ في أفُقٍ يراوغُ مقلتي
فوجدتُ سرَّ الروحِ في الآفاقِ
ولثمتُ خدَّ الشمسِ ساعةَ أشرقتْ
فطَعِمتُ حلوى الخُلدِ في الإشراقِ
ومشيتُ بين المشرقينِ، أصابعي
شُعَلٌ، وزُوّارُ النجومِ رفاقي
هَيمانَ أنتظرُ انثيالَ حقيقتي
متخوِّفًا أن يستهلَّ مَحاقي
سفري إلى نفسي طويلٌ، كلّما
دنتِ المسافةُ قيل: باقٍ باقي
وعلى الطريقِ كمائنٌ مجنونةٌ
نثرتْ فُتاتَ الأمْنِ للطُرّاقِ
فهل الرجوعُ هو الخلاصُ؟ تساؤلٌ
وهْمٌ، وكم في الوهمِ من ترياقِ!
* * *
الظامئون على الكؤوسِ تجمهروا
وأنا أكسِّرُ ما يمدُّ الساقي
فمتى أصفّي الروحَ من أدرانِها
حتى أطيّبَ للفناءِ مذاقي؟
لم يكتب البستانُ في تاريخه
أن النخيلَ تضنُّ بالأعذاقِ
والعينُ والأهدابُ ما زالت على
عهدٍ رواه (مؤرّخُ الأحداقِ)
وأنا أصارعُ ذئبةً في أضلعي
عوّاءةً مسعورةَ الأشداقِ
فتثيرُ فيَّ حقيقةَ مجبولةً
من ناشزينِ شراسةٍ ونفاقِ
* * *
أنا هاربٌ مني إليَّ، مراحلي
تذوي، وأثقالُ الحياةِ رفاقي
وأشَمُّ رائحةَ الأفولِ تثيرُني
فتسلُّ غُنْجَ النهرِ من أعماقي
عبثًا أغالطُ، إن جمرةَ عُمرِنا
ليست تفارقُ شهوةَ الإحراقِ
- شعر/ عبدالله بن سليم الرشيد