علي الخزيم
هكذا يمضي الكرام دون ضجيج، فمثل الجواد الكريم الشيخ محمد بن علي السويلم غفر الله له؛ أخلاقهم وطيب سجاياهم حَجَبَت عن سيرتهم أي ادعاء بالعلو والتعالي، وسمو نفوسهم أبعدها عن الظهور في دائرة الضوء الاجتماعي المُبْتَذل حينما هرول إليه القاصرون عن هذا السمو المُتأصل المَطْبوع بالجينات، ولم تكن أعمالهم الجليلة وخبايا الخير الخفيّة لتستفز قلوبهم - النابضة بدماء طاهرة من كل شائبة - وتغريها بتصعير الخَدّ أو قبض المَدّ، تربيتهم ونشأتهم رفَعَتْهُم مكاناً عَلِيّاً في ميادين (السخاء والكرم والجود والبذل)، وكلها مجتمعة تُكوّن درجات العطاء الكريم، والمغفور له - بإذن الله - ابن البكيرية البار الشيخ محمد السويلم قد يَسَّر الله له كل هذه المجاميع من الصِّفات، مع ورع وتقوى وصلاح، مما يُؤشر - إن شاء الله - إن للفقيد الكبير محبة عند الله سبحانه، ظهرت في محبة الناس له، وقبل ذلك بحبِّه للخير في كل دروبه ومجالاته وحقوله، انْعِمْ برجل يفتح السُّبل والطرق من ماله دون مقابل، ويُعمّر المساجد والمكتبات، وينشئ دور الأيتام والمدارس والمراكز التدريبية والتعليمية، ويُموّل البرامج التحفيزية التشجيعية للطلاب والطالبات، ولم يقبل الترويج لها بإعلان أو أمسية أو احتفالية، وأن المرء ليَشُكّ أن الجِنَّ قد نالهم نصيب من جوده وكرمه! أليس برجل عالي الهمة مُكتمل العقل ينبض وجدانه وعروقه بالإنسانية الخالصة والوطنية الصادقة؟! وإن حَدَثَ وأقام الفتيان أو ثُلّة من المعلمين ما يُعَبّر عن شكرهم وامتنانهم لما يُقدِّمه لأهله ووطنه؛ فإنما هي مبادرات لم يطلبها ولم يَسْعَ إليها، وفي ظني أنه لو علم بها لطلب إيقافها، إذ إن كل أعماله الوطنية الخيرية لم يقصد بها ألاّ وجه الله والدار الآخرة، هؤلاء هم الكبار حقاً بنفوسهم وعطائهم، حازوا أصل المحاسن كلها وأشرف الأخلاق: الكرم والجود.
يقول ابن الرومي موضحاً معنى الكرم الحقيقي:
(ليس الكريم الذي يعطي عطيته
على الثناء وإن أغلى به الثمنا
بل الكريم الذي يعطي عطيته
لغير شيء سوى استحسانه الحَسَنا).
ولابي فراس الحمداني:
(إنما الجود ما أتاك ابتداءً
لم تَذُق فيه ذلة الترداد)
ويقول شاعر عنيزة القاضي:
(من جاد ساد ومن شح بحلاله
ما أدرك مرام ولا صعد مصعدٍ عالِ).
وأنشد الشاعر حميدان الشويعر:
(أربعٍ يرفعن الفتى بالعيون
الظّفَر والكرم والوفا والصلاح).
ومن مكملات الجود البعد عن المَن، وبذلك قال الشاعر محسن الهزاني:
(وبالمنّ ما نتبع عطانا ولا بَعَد
على الغيظ قلنا ذا بِهْ البِرْ ضايع)
هكذا مضى الشيخ السويلم رمز الجود والبذل، وهو وإن مضى بجسده فسجاياه باقية، كما أن للبكيرية من الرجال الأخيار ممن لا يبخلون وبمالهم يجودون، فكل هؤلاء هم أحفاد عبيد الله بن العباس بن عبد المطلب وعبد الله بن جُدْعَان التيميُّ القرشي وكعب بن مامة الأيادي وحاتم الطائي وهرم بن سنان وأسماء بن خارجة الفزاري، وغيرهم. مضى رفيق الجود وخليله فترحّموا عليه.