تركي بن إبراهيم الماضي
التقنية الحديثة سهلت على الناس التواصل، وتبادل الرسائل والفيديو والصور الحية. كل من يحمل في جيبه هاتفاً ذكياً، يملك أن يبث من الأخبار والصور ما يشاء. العالم الكبير أصبح أصغر من ذي قبل. بضغطة زر تصبح الصورة أعمق، والكلمة أبلغ. وليس كل ما ينشر هو من البلاغة أو من الفن في شيء. بل كثير من النميمة والخرافات التي تتداول، ويصدقها من يفقد عقله جزئياً، أو من يتعاطف مع مثل هذه القصص التي لا تحدث إلا في الأحلام!
وفينا من يظن نفسه أنه إلى الكمال أقرب، فلا يرى في نفسه إلا كل خير، وإذا أخطأ كان من النسيان والشيطان، أما الآخرون، وهم كل الناس ما سواه، فهم إلى الخطأ أقرب، وإن صلح منهم شيء كثير!
كنت قبل أيام قليلة، أتابع حواراً ساخناً على إحدى وسائل ومواقع التواصل الاجتماعي. كان أحد المتداخلين يتهم الآخر بأنه «متعصب» أجابه هكذا نصا: «كلنا ذلك الرجل»! أعجبتني جملته، لما فيها من الاعتراف أولاً بإنسانيته، وأنه مثل الآخرين، يخطئ ويصيب، ثم الثاني اعترافه أنه «متعصب» دلالة على النقص الذي يعتريه، حتى وإن كانت إشارته إلى الجمع، إلا أنها أيضا تدينه بصفته الفردية.
الجميل هنا، أنه لم يفقد إنسانيته -خلال تعليقاته- حتى والآخرون يفقدون صوابهم تجاه، منهم من أتهمه بالكذب، وآخر ببيع ذمته بمقابل، وأحد دعا على أهله وولده. وما علاقة أهله بما فعل ؟ حقيقة لا أعلم، لكنها حيلة العاجز، ليخوف خصمه، فقط لا أكثر .نحن نفعل أكثر من ذلك -إلا من رحم الله- لأن هناك من يبصر عيوب غيره ولا يبصر عيبه. «كلنا ذلك الرجل» الذي يتهم دون بينة، وينقل الشائعات دون تثبت، ويدخل في الذمم دون أدنى مسئولية.
لسنا ملائكة وليسوا أيضا هم شياطين، وإذا لم يخطئ صاحبك اليوم، فستخطئ أنت في الغد. ليس من الإيمان في شيء، أن يكون إثبات إيمانك، بالسخرية فيمن وقع في الخطأ. فهو لم يكن أقل ذكاء منك، ولا أقل إيمانا، حين وقع في الخطأ، لكن رحمة الله بك وحدها، من سلكت بك الطريق سالما.
أكتب ما كتبت، وقد قرأت وسمعت، من شمت بالذين قتلوا في تفجيرات إسطنبول الأخيرة. كأن من يشمت، بيده أن يدخل الناس إلى جنة أو نار، أو بيده أن يدخل نفسه إلى جنة، إن استطاع إلى ذلك سبيلا. الحقيقة أن كل إناء بما فيه ينضح، ومن شمت بإخوة له، ماتوا، ولا يملكون دفاعا لأنفسهم، سيأتيه يوم، من يشمت فيه، وهو حي يرزق!