اللواء الركن م. سلامة بن هذال بن سعيدان
ومسلسل الختل والتخدير والقتل والتهجير الذي تمارسه قوى الشر من الغرب والشرق ضد العرق العربي والمكون السني في عدد من الدول العربية، لا يحده حدود ولا يقيَّده قيود، فما حصل ويحصل في العراق يتكرر في سوريا والجاني واحد والمجني عليه واحد، وإن تعددت مصادر الجناة واختلفت أساليبهم ووسائلهم، فذريعة الإرهاب قائمة في البلدين والمستهدف الذي يوصم بالإرهاب هم المنتمون إلى العرق العربي والمذهب السني، وطرق الختل والتخدير ووسائل القتل وأساليب التهجير تختلف حيناً وتتفق أحياناً، وفقاً لطبيعة المواقف ونوعية الأهداف وتقاطع مصالح الغزاة والمحتلين أو تعارضها. والخاضع للتخدير تنطلي عليه الخدعة أو يقبلها على مضض، وكلما أفاق من تخدير وقع في آخر، حيث يقوم الأعداء بالتربص به وختله من حيث لا يحتسب دون أن يأخذ درساً من الفخ السابق ليتجنب الفخ اللاحق، ويستمر مسلسل الخداع والكذب إلى مرحلة متقدمة، وعندها يجد المخدوع نفسه يخضع لواقع مؤلم، وينتظر ما هو أكثر ألماً، وهلم دواليك من خدعة إلى أخرى ومن جريمة قتل وتهجير إلى ما هو أفظع منها، حتى وصلت الأمور إلى ما وصلت إليه من الواقع المهين والخسران المبين.
وما ينطبق على سوريا والعراق ينطبق على بقية الدول العربية حيث أصبح المؤجل ينتظر دوره بعد المعجل طالما بقيت الحال على ما هي عليه من التشتت الذي يجعل في مكنة الأعداء الانفراد بكل دولة على حدة بسبب الفرقة والتفكك وضعف الانتماءات الوطنية والقومية والدينية التي في غيابها يسهل اختراق الأمة وتهديد أمن دولها دولة بعد أخرى.
ومن ممارسات الاستخفاف المستهجنة بالآخرين وحالات التخدير الفاضحة أن تدعو روسيا إلى هدنة ومحادثات سياسية، وتتفق على ذلك مع بعض الأطراف ذات العلاقة بما يجري في سوريا، ثم تتقدم بهذا الاتفاق على هيئة مشروع قرار إلى مجلس الأمن، طالبة من دول المجلس الاسترشاد به ودعمه، وعندما اتخذ مجلس الأمن قراراً معدلاً من مسودة الاتفاق، يؤكد فيها على وقف الأعمال القتالية واستئناف المحادثات السياسية كانت روسيا هي أول من خرق الهدنة، وتركت الحبل على الغارب لحلفائها لحرقها بدلاً من أن تكون هي الضامنة لسريان مفعولها.
وبما أن الأحداث أثبتت أن التدخل الروسي في سوريا والفارسي في عدد من الدول العربية كان بمباركة أمريكية وبعد أن نجح هذا التدخل في تحقيق بعض أهدافه وبالتحديد السيطرة على حلب وتأمين مصالح روسيا وحليفها الإيراني هناك خفت الصوت الأمريكي وانفردت روسيا بالمسك بزمام الأمور بمنطقة الصراع، فما الذي ينتظره الشعب السوري ممن يدعي صداقته حيث سقطت الأقنعة وذهبت الوعود أدراج الرياح، ولم يبق أمام المعارضة السورية والدول المساندة لها إلا الاعتماد على الذات والتخلص من ربقة التخدير لمواجهة الخطر الذي يهدد الوجود والمصير قبل أن يفوت الأوان ويحدث ما لم يكن في الحسبان، ويكون ما هو أسوأ مما قد كان.
وسياسة رئيس أمريكا القادم التي قد تصل في خشونتها إلى درجة التهور لن تصلح ما أفسدته سياسة سلفه الذاهب، تلك السياسة الناعمة في مظهرها المدمرة في جوهرها. إذ إن السياستين مهما اختلفتا تكتيكياً فإنهما تتفقان استراتيجياً، والحكيم يتعظ من أخطاء الآخرين دون أن يقع فيها، والعاقل يستفيد من أخطائه فلا يكررها، أما من يقع في الخطأ مرة بعد أخرى فهو من فصيلة يقل مستواها عن فصيلة البشر، وينطبق هذا الوصف على ضحايا الختل والتخدير من بعض النظم الحاكمة والنخب السياسية النافذة.