هناك بكل مدينة ومحافظة بالمملكة رجال ونساء انتقلوا إلى رحمة الله بعد أن نذروا أعمارهم لخدمة الناس وبخاصة في إمامة المساجد أو تولي الأذان فيها.
وهنا أضرب المثل بأحد الرجال الذين ظلوا يرفعون اسم الله على مدى 80 عامًا في جامع عنيزة الكبير «الآن جامع ابن عثيمين» بمحافظة عنيزة، ولم يتوقف عن هذا العمل المبارك حتى رحيله إلى رحمة الله.
إنَه الشيخ إبراهيم بن محمد الريس الذي قضى عمره المضيء في رفع نداء «الله أكبر» وقد تولى الأذان في الجامع الكبير بعنيزة وعمره 18 عامًا وهو ينتمي لأسرة فاضلة كريمة في عنيزة عرفت بالخير والفضل آباء وأجدادًا وأحفادًا، وحسب هذه الأسرة أنها تولت الأذان على مدى يزيد على «200» عام حيث إن الشيخ إبراهيم سبقه بالأذان ثلاثة من أصوله: «جداه وأبوه».
* * *
وقد عايش أربعة علماء أجلاء أمّوا الجامع هم المشايخ: صالح عثمان القاضي - عبدالله بن محمد المانع - عبدالرحمن السعدي، ثم الشيخ محمد بن عثيمين -رحمهم الله جميعًا-.
يقول الباحث أ. يوسف العتيق: «تعتبر المدة التي قضاها الشيخ إبراهيم مؤذنًا أطول فترة لمؤذن بالمملكة «81» عامًا، وقد أطلق عليه سماحة المفتي الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله آل الشيخ» رئيس مؤذني نجد -رحمه الله-.
* * *
وقد كان طالب علم تلقاه في حلقات العلماء الذين أمّوا الناس بالجامع، كما له إلمام بالشعر روى الباحث أ. يوسف العتيق نقلاً عن ابنه أ. محمد هذا الموقف اللطيف:
«يذكر ابنه أ. محمد بن إبراهيم الريس حيث يقول: من المواقف التي عشناها مع الوالد -رحمه الله- أننا كنا جالسين عنده ذات يوم بعد صلاة العصر نستمع إلى برنامج الشيخ عبدالله بن خميس الشهير «من القائل؟» حيث سأله أحد المستمعين عن أعظم بيت قالته العرب، فأجاب ابن خميس: لا أعلم أعظم بيت قالته العرب! ولكنهم قالوا في الشجاعة كذا، وفي الكرم كذا، وفي المدح كذا، وبدأ يردد أبيات الشعر المشهورة في عدد من أغراض الشعر.. وكان الوالد متمددًا على سريره يستمع إلى البرنامج، وحين سمع إجابة ابن خميس نهض واعتدل في جلسته، وقال: أنا أعرف أعظم بيت قالته العرب! فسألناه: ما هو؟ قال: قول لبيد بن ربيعة في الجاهلية: «ألا كل شيء ما خلا الله باطل»! فقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: أصدق كلمة قالتها العرب قول لبيد:
إلا كلٌ شيء ما خلا الله باطل
وكلٌ نعيم لا محالة زائل
* * *
وبعد:
إن أمثال هذا الراحل ممن خدموا بيوت الله على مدى عقود: سواء إمامة أوأذانًا أو تدريسًا يستحقون التقدير والتكريم وفاء لهم وتذكيرًا للأجيال بجميل أعمالهم والدعاء لهم.
والتكريم يأتي عبر وجوه متعددة ومن جهات مختلفة فالبلديات تسمي شوارع باسمائهم وبمدنهم التي عاشوا فيها، والشؤون الإسلامية تسمي مساجد بأسمائهم، فهذا الراحل وأمثاله من الأئمة والمؤذنين الذين قضوا عمرهم في أشرف عمل يستحقون مثل ذلك، فضلاً عن إقامة ندوات ومحاضرات عنهم تعريفًا للجيل الجديد بمسيرتهم الصالحة في خدمة ديننا وبيوت ربنا بهذا الوطن الذي قام على شهادة «ألا إله إلا الله» واجتمع أبناؤه على راية التوحيد والوحدة ولعل بلدية عنيزة ومجلس أهاليها يبادرون بتكريم هذا الرجل بتسمية شارع باسمه بالمحافظة وفاء وتكريمًا وتقديرًا لهذا الراحل الذي عطَر سماء مدينتهم بذكر الله على مدى ثمانية عقود.
* * *
رحم الله الشيخ إبراهيم الريس وجعله الله من «أطول الناس أعناقًا يوم القيامة» كما وعد المصطفى صلى الله عليه وسلَم ورحم الله كل من خدم «مساكن الطمأنينة بالدنيا»: بيوت الله من أئمَة ومؤذِنين وعامرين لها.
الشيخ المرحوم إبراهيم محمد الريس 8 عقود وهو يرفع: نداء الله أكبر.