«الجزيرة» - أحمد المغلوث:
الأم، وما أروع أن نردد هذه الكلمة (أمي).. نعم، الأم التي كرمها الإسلام هذا المعين والينبوع الذي لا ينبض من الحب والحنان والاهتمام والخوف والتي خلقها الله عز وجل لتكون زوجا وأماً. وعليها وعلى تربيتها تفخر الأمم ومن خلال نجاح أبنائها ونكرانها لذاتها تتقدم الأمم وترتقي وتسمو.. ومهما كتبنا هنا في هذه « الإطلالة « لهذا اليوم لا نستطيع أبدا أن نعبر عن مشاعرنا الحقيقية والصادقة تجاه كل أم في بلادنا وغير بلادنا، وما تستحقه من تكريم وتقدير كبيرين، ويكفي الأم كل أم شرفاً أن الله سبحانه وتعالى ذكرها في كتابه « القرآن الكريم» فيما يزيد على30 موضعا، ويكفيها شرفاً أن تتعهد بالأمومة والتربية منذ تفتح البويضة داخل أحشائها إلى أن يولد المولود ويكبر ويصبح عضوا فاعلا في مجتمعه؛ رجلاً كان أو امرأة، وكم أم ترملت وفي أوضاع صعبة وظروف قاسية وراحت تعمل وتكد وتواصل التعب ليل نهار في سبيل الحصول على لقمة عيش شريفة من أجل أن تربي أبناءها وبناتها.
وفي ذاكرتي من الماضي صور عديدة ومشاهد قمة في العطاء والبذل والإيثار .أعرف أمَّاً فاضلة كانت على قدر كبير جدا من الجمال وترملت وهي شابة ولديها عدة اطفال وبنات وتقدم لها العديد من العرسان بعضهم في مستوى عمرها. يعني شباب وغير متزوجين. بل بعضهم يعتبر من الاثرياء في مدينتي ولكنها رفضتهم جميعا للتفرغ لتربية أبنائها وبناتها، رغم ظروفها الصعبة، وبحكم أنها كانت تجيد الخياطة فكانت تواصل الليل بالنهار في خياطة فساتين العديد من نساء وفتيات المدينة، وكم واصلت العمل وهي مريضة أو تعبة جدا لتسلم فستانا أو «نفونفا» أو سروالاً لصاحباتها في نفس الموعد. وكان ينطبق عليها القول « يد تعمل ويد تطبخ وتربي» ونحج أولادها وبناتها وتخرج جميعهم من الجامعات والكليات بعضهم حمل درجة الدكتوراه..؟ أمثال هذه الأم المثالية كثيرة في مجتمعنا. الآلاف من الأمهات أنكرن أنفسهن في سبيل تربية الأبناء والبنات والعناية بهن ونجحن في مهماتهن.. وكم سيدة فاضلة حملت بضاعتها مما تيسر لها أن تقتنيه من بساتين ونخيل جيرانها ومن ثم تقوم ببيعه مباشرة على البيوت أو الجلوي به أمام بيتها أو في زاوية من (العابر) في الفريج أو هناك من تذهب به إلى الاسواق الشعبية.
مئات من النساء في المدن والقرى يعملن في أعمال يدوية وحرفية في سعف الخوص وتشكيله وتحويله إلى منتجات خوصيه تراثية وتقليدية أروع.
ولو ذهب أحدنا إلى أسواق ومجمعات المدن الكبرى لوجد شقائق الرجال وهن يمارسن عملهن الشريف بكل حيوية ونشاط بهدف توفير دخل مناسب للصرف على انفسهن وأولادهن وبناتهن.. وكم نجح من هؤلاء الاولاد والبنات وتفوقوا في دراساتهم وحتى في وظائفهم، بل بعضهم وصل لمراكز عليا بفضل الله ثم بفضل عطاء أمهاتهن اللواتي كنا دائما مثاليات إلى أبعد الحدود..
ونخلص من هذا كله إلى الإشارة بضرورة أن تشكل لجان في الجمعيات الخيرية والنسوية في كافة مدن المملكة باختيار مجموعة تقوم بتكريمهن الدولة تكريما لائقا وفي احتفالية كبرى وليكون مهرجان (الجنادرية) أو على هامش توزيع جوائز شهيرة تكون تحت رعاية مولاي خادم الحرمين الشريفين.. أو يكون ذلك ضمن نشاط اجتماعي للجامعات.. والجمعيات النسائية الخيرية.. ولو تم اختيار سيدة من كل منطقة ومحافظة في بلادنا تميزن بأنهن قمن بتربية أولادهن وبناتهن تربية صالحة، سواء كن أرامل أو حتى متزوجات أو مطلقات ونجحن في رسالتهن العظيمة في التربية فسوف يكون لهذا التكريم المادي والمعنوي أثره الفاعل في نفوس كل الأمهات ليواصلن نجاحهن ويحققن تميزا وحضورا كما فعلت اللواتي حظين بالتكريم والتقدير من قبل الوطن.. كم هو جميل أن نحسس كل أم بأننا لا ننساها، وأننا نقدرها جميعا كقيادة وكوطن ومواطنين.
ونحن هنا لم نأتِ بجديد؛ فالإسلام وقبل ذلك خالقنا كرم المرأة فهل نفعل ونأمل ذلك ..؟!