إنّ من أصعب المواقف التي تقابل الإنسان في حياته، حينما تلح عليه مشاعره لكتابة مقال رثاء لفقيد يمثل الشيء الكثير له، فكيف يكون الحال عندما يكون هذا الفقيد هو قدوتك ومعلمك والمثال الذي تحتذي به، إنه الوالد العم عبد الرحمن بن سليمان الرويشد - رحمه الله -، الرجل الذي فقده التاريخ والأدب.
فالحديث عن العم عبد الرحمن الرويشد - رحمه الله - يحتاج إلى كتابة سلسلة من المقالات لإبراز الجوانب العلمية والشخصية لهذا العَلَم في التاريخ والأدب السعودي، لذا أحببت أن أسلط الضوء في مقالي هذا على بعض الجوانب الشخصية في حياته - رحمه الله - بحكم قربي منه، تاركاً المجال لمحبيه والمختصين لإبراز الجانب العلمي له.
فلقد عُرف عنه أنه جمع بين الحكمة والفراسة والبساطة مع قوة الشخصية، ولقد امتاز بالصراحة في كلامه وحديثه الذي لا يمل ومجلسه المؤنس، فيوقر الكبير ويعطف على الصغير ويهتم بالغريب مثل القريب، فهذا المستوى من الخلق الرفيع جذب إليه كل من عرفه.
وبالرغم من انشغاله - رحمه الله - في أعماله البحثية إلا أنه يولي المجتمع جل اهتمامه، فلا يتردد في زيارة لصلة الرحم أو عيادة مريض ومشاركة الناس أفراحهم وأحزانهم، حيث كان لي شرف مرافقته للعديد من المناسبات الرسمية واللقاءات الأدبية والاجتماعية والزيارات للمسؤولين والأدباء والأعيان، فأجد في زياراته احتفاء مضيفيه به وتصدُّره المجالس بحديثه وآرائه التي لها قبول كبير، ويرجع ذلك لمكانته العلمية كأحد المصادر المهمة لتاريخ المملكة وتاريخ العائلة الحاكمة بشكل خاص.
وقد كان الولد - حفظه الله - حريصاً منذ صغري على اصطحابي وإخوتي لزيارة العم - رحمه الله - سواءً في مكتبه أو منزله للنهل من هذا المخزون التاريخي والأدبي ، وقد كان يرحب بالجميع من قاصديه من الباحثين وعشاق الأدب والتاريخ، حيث يمضي جل وقته في الرد على الاستفسار عن معلومة تاريخيه أو أدبية، وتجده تارة بين الكتب غارقاً في قراءتها أو معرفاً لأحد الأشخاص في الصور الفوتوغرافية القديمة ، وكنت دائماً مشدوداً لأحاديثه عن الحياة السياسية والأحداث التاريخية في العهود السابقة من الدولة السعودية، وكذلك الحياة الاجتماعية للرياض قديماً، فهو ابن الرياض وعاشقها الوفي البار لها ولكافة أمصار البلاد.
إنّ للعم عبد الرحمن - رحمه الله - مساهمات كثيرة في التفاني لخدمة الوطن، فقد قدم لنا درساً في المواطنة الصالحة وحب الوطن، وذلك من خلال تقلُّده العديد من المناصب في مجالات التعليم والإعلام، وأثناء التحاقه للعمل في وزارة الداخلية، وكذلك لاختياره من قِبل سيدي خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز، ليكون ضمن مجلس دارة الملك عبد العزيز وتوّج ذلك تقلُّده - رحمه الله - وسام الملك عبد العزيز من الدرجة الأولى، لمساهمته في الذكرى المئوية لتأسيس المملكة العربية السعودية، حيث إنه صاحب فكرة هذه المناسبة، وأيضاً حصوله على جائزة الملك سلمان بن عبد العزيز لدراسات تاريخ الجزيرة العربية في دورتها الثانية.
كما تربطه بسيدي خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز - حفظه الله -، علاقة وثيقة مبنية على الاهتمام المشترك بالتاريخ وكذلك الاحترام والمحبة والتقدير المتبادل منذ فترة تجاوزت النصف قرن، ولا أنسى إشادة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز - حفظه الله - في إحدى المناسبات التي حضرتها - بمساهمة العم عبد الرحمن - رحمه الله - في التاريخ والأدب، وحثه - حفظه الله - على أن يكون التاريخ والأدب أحد اهتمامات أفراد أسرتنا من خلال التعمق في تاريخ وطننا العزيز، لحفظه وصونه ونقله للأجيال تحت إشراف العم - رحمه الله -.
أما بخصوص دوره في أسرته فكان رحمه الله هو الداعم الأكبر لأفراد الأسرة، حيث كان رحمه الله كثير الحرص على التحصيل العلمي والمستوى الوظيفي، ولن أنسى ردة فعله الإيجابية، حينما أبلغته عن ابتعاثي لإكمال الدراسات العليا في المملكة المتحدة، واستمراره في المتابعة شخصياً معي ومع الوالد حتى آخر يوم في الابتعاث وعودتي إلى أرض الوطن.
وما يخفف عزاءنا في مصابنا الجلل، ما لمسناه من الجميع في مجلس العزاء وما سُطِّر من مقالات في الصحف ومواقع التواصل الاجتماعي، من رثاء وترحم من قِبل محبيه الكثر وزملائه وأفراد عائلته، كل هذا دليل على أنّ ما يتركه الإنسان من سيرة عطرة وأعمال خيّرة ومخزون علمي، تجعل من موته مجرد رحيل جسد لا أكثر، فالإرث العلمي في مجالي التاريخ والأدب الذي خلّفه - رحمه الله - سيخلد ذكراه في التاريخ والأدب السعودي وفي أذهان محبيه.
وترجّل فارس التاريخ السعودي وفي جعبته الكثير من أفكار التوثيق الذي برع في إبرازها ووفر على الباحثين الجهد والعناء ، فرحمك الله يا من كنت نبراساً لمن أتوا بعدك ليستدلوا بنهجك القويم في كتابة التاريخ ، طبت حياً وميتاً وأسكنك الله فسيح الجنان مع الصديقين والشهداء والصالحين والأبرار.
- حسام بن سليمان الرويشد