هاني سالم مسهور
في سبتمبر 2015م وبعد تحرير العاصمة عدن بشهرين، كشف تقرير صادر عن الأمم المتحدة بأنها تقدّر عدد الألغام المزروعة في لحج وحدها بأكثر من عشرين ألف لُغم، هذا العدد الضخم تم تقديره بعد اندحار المليشيات الحوثية، وبعد تزايد أعداد الضحايا من مخلفات الألغام المزروعة بدون معايير عسكرية، برغم أن كل أنواع الألغام هي ممنوعة دولياً بموجب (معاهدة أتاوا) الموقعة في 1997م والتي انضمت إليها اليمن .
ليست هذه هي المرة الأولى التي نكتب حول الألغام، ولن تكون الأخيرة، فاليمن عانت مازالت تعاني من مخلفات حرب صيف 1994م، فمع اجتياح القوات الشمالية للمحافظات الجنوبية آنذاك زرع ما يقدر بمائة وخمسين ألف لغم موزعة بين ألغام مضادة للدبابات وأخرى للأفراد، وكان هناك برنامج دولي يهدف لتمشيط مساحات واسعة في محافظات عدن ولحج وأبين وشبوة، وتوقف ذلك البرنامج كُلياً بعد فبراير 2011م برغم ضعف مردوده عملياً، فالأمم المتحدة لم تستطع توفير الميزانية المالية نظراً لحاجة اليمن الماسة للغذاء والدواء .
المخلوع علي عبد الله صالح كان هو الذي أمر بزرع الألغام في 1994م، وعاد ليواصل زراعتها في حروبه مع الحوثيين في مناطق الصراع آنذاك، ولذلك تتواجد الألغام بكثرة في مناطق دماج وحرف سفيان وعمران وهي مناطق شهدت معارك كبيرة منذ 2004م في صراع الحوثيين والنظام اليمني، وبعد الانقلاب في سبتمبر 2014م فتح المخلوع علي عبد الله صالح للحوثيين مخازن الأسلحة في ثكنات الجيش والحرس الجمهوري، ليواصل طرفا الانقلاب أبشع جرائمهما بزراعة مئات الآلاف من الألغام بدون تدوينها، ووضعها في الطرقات المدنية والعسكرية على حد سواء.
قبل سنوات كان المناطق الجنوبية تعاني من خطر الألغام، ثم شمال اليمن، الآن تضاف مأرب وتعز والساحل البحري لباب المندب، جريمة كبيرة يرتكبها طرفا الانقلاب (الحوثي - صالح) بدون اعتبار لإنسان قد يدفع ثمن هذه الألغام موتاً أو إصابة بليغة تؤدي لبتر جزء من أطرافه، هذه العقلية المتوحشة لا تضع معايير أخلاقية في الحرب، وهذه العقلية التي تستبيح المقدسات الدينية لا تجد مانعاً في تفجيرها للمساجد، بلغ عدد المساجد التي فجّرها الحوثيين (29) مسجداً، وتم تحويل أكثر من (140) مسجداً إلى ثكنات عسكرية، وبلغ بهم تخزين الأسلحة في عشرات المساجد حتى لا تُقصف من طيران التحالف العربي لمعرفتهم أن أخلاقية الحرب تمنع التحالف من استهداف المساجد لقدسيتها.
مرة أخرى نطالب الحكومة الشرعية ومنظمات المجتمع المدني، بتدوين كل هذه الانتهاكات والجرائم والعمل على رفعها للهيئات والمنظمات الدولية، وملاحقة طرفي الانقلاب (الحوثي - صالح) في المحاكم الدولية، فانتهاك المعاهدات الدولية والإصرار على التعمد في قتل المدنيين عبر زراعة مئات الآلاف من الألغام، هذا يعني أنّ اليمن أمام مآسٍ متواصلة، وأن جهود تطهير هذه الألغام تحتاج لسنوات طويلة وأموال طائلة، كان يمكن أن تُسخر في خدمة الإعمار ومعالجة آثار الحروب التي تتواصل ويدفع ثمنها الإنسان فقط.