هدى بنت فهد المعجل
تبنّى الأدب الغربي القطار، وظّفه في السرديات، في الرواية، وفي الشعر.. يلتقي المسافر بمسافر آخر.. يتعارفا.. يتبادلا معاً الأحاديث.. وما أن يقف القطار عند محطة الوصول حتى يتفرقا، ويحتفظ القطار بذكرى اللقاء.. ورحابة الحديث.. وعلاج المشكلات.. في عروج مني على مقتطفات من الأدب الغربي أقف وإياكم على ثلة أدباء ومكاشفاتهم عن القطار وحضوره في إبداعهم, لنرى ماذا يقولون: فرانتس كافكا: القطار أوحى لي فكرة مجموعتي القصصية "سور الصين". الشاعر الروسي "فوز نيستيسكي": في القطار كتبت ملحمة "المهرة". الشاعر الألماني "جارلز باكوفسكي" في "يوميات عجوز" يبدو كرهي للقطار. الشاعر غوته: القطار مثال للرداءة. الأديب نيكولاس لينار: القطارات ضيوف بشعة تفترس الطبيعة. جرهارد هاوبتمان: وقصته الرائعة "تيل عامل القطار" كمثال للسرد الواقعي. إينشتاين: في القطار ساهمت في أبشع اختراع.. "القنبلة الذرية". الأديب فيليب سوللر: بسبب القطار أصبحت مدمنا. الروائي د. هـ. لورنس: وميلاد أعنف قصة حب وأخطر ثنائي أدبي في القطار. إجاثا كريستي: وجريمة قتل في قطار الشرق السريع. الأديب التركي "يشار كمال": تحولت سعادة الشاب إلى أسى وحزن بسبب لقاء في القطار. لم يكن القطار الذي قدمته لنا الأفلام والمسلسلات مقطورات متصلة ببعضها فقط.. إنما كبائن منفصلة، مغلقة، مهيأة للراحة، والتأمل، والعزلة عن الضجيج الخارجي.. وصخب الأطفال.. ترتبط المدن البعيدة نسبياً بالقطار في مختلف الدول الغربية، وبعض من الدول العربية.. وتنفصل مدننا دون أن يلم شتاتها قطار واحد، سوى سكة قطار يتيم تربط جزءاً من الوسطى بالشرقية.. فهل، وقطارنا متقلص، نحن مهيأين لتوظيفه في سردياتنا، وأشعارنا..!؟ تعتبر إنجلترا هي الأب الشرعي لبناء وتطوير السكك الحديدية في العالم، في عام 1814م بنى جورج ستيفنسون قاطرته البخارية الأولى، وقد بدأت أول تجربة للنقل على السكك الحديدية عام 1814م في مقاطعة ويلز الجنوبية بإنجلترا واستخدمت في جر عربات مشحونة بسرعة خمسة أميال في الساعة (حوالي 10 كيلومتر/ ساعة)، في الولايات المتحدة استخدمت القطارات البخارية على سبيل التجريب عام 1825، أما افتتاح أول خط فعلي في أمريكا كان عام 1830م، وفي مصر عام 1852م، وفي آسيا عام 1852م، وفي أستراليا عام 1854م. ترك القطار أثرا في نفوس الأدباء حيث هاهو الفنان سلفادور دالي الذي كان يكن كل عشق لزوجته جالا منذ أن كانزوجة للشاعر "بول إيلوار" فكان على حد قوله يحبها أكثر من نفسه وأكثر من أمه وأبيه ولهذا فإنه كان يمتطي معها القطار ويجوب بها أرجاء أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية كي يجد الوقت ليتحدث معها تاركا فرشاته ومرسمه وراء ظهره، ولقد بلغ عشقه للقطار ذلك الذي كان يلتقي فيه ومعشوقته جالا إلى الحد الذي أظهره لنا في الكثير من أعماله ولوحاته التشكيلية التي أثرى بها عالم الفن.
الأديب (زياد جيوسي) من رام الله يذكر أنه لم ير القطار سوى عام 1975م حين قرر أن يجرب ما هو القطار فذهب من بغداد إلى البصرة وكان طالباً.. وذكر أنه كان يحلو له أن يجلس في مقهى الحجاز في الشام ليتفرج على القطار القديم.. ويظن أن الكثيرين مثله لم يعرفونه، ليس ترفاً، ولكن لفقدانه.
وقد حكى الدكتور (دنحا كوركيس) من الجامعة الهاشمية في الأردن أنه في رحلة له من شمال (إنجلترا) إلى (لندن) عام 1974م كان جالساً بجانب سيدة إنجليزية تقرأ إحدى قصص (آرسين لوبين) التي يجري أحداثها في قطار..
سألته السيدة: من أين أنت؟ - قال: من العراق. فصعقه سؤالها، وأين العراق؟ - قال لها: إنها بلاد السندباد، وعلي بابا، وجحا وحماره.. تكلم معها (كما يقول) حتى أنساها القطار.. وكان يجهل وقتئذ أن القطار خير ملهم للأفكار، وأن ثقل ما يقرأه الغرب على متنه، في يوم واحد، لا يتحمله حمار.
(السيد نجم) أديب مصري يركب القطار مرتين أسبوعياً للسفر إلى الإسكندرية منذ حوالي ست سنوات، ويرى أنه محور لعمل أدبي، وبدأ في تسجيل بعض الخواطر والشخصيات.. وفي استلهام علاقة الغرب بالقطار يمكنكم الرجوع للقصيدة الرائعة "في قطار الساعة 40.19 دقيقة السريع" لللشاعر الفرنسي "بلازسا ندرارس": ". وغيرها من إبداعات الأدباء في القطار أو بوحي من القطار الرمز والأيقونة فهل نترقب سردا غنيا بأحداث القطار، ونحن نقرأ أن أحد أسباب الحرب العالمية الأولى وصول السكك الحديدية إلى البصرة.