اللواء الركن م. سلامة بن هذال بن سعيدان
من المعروف أن السياسة الأمريكية حيال الصراع الدائر في سوريا تنطلق في جوهرها من مفهوم استراتيجي يهدف إلى إضعاف وشرذمة الدول العربية، وبالتحديد المكون السني في هذه الدول، وخاصة الدول المجاورة لإسرائيل وتلك التي لها موقف ضد مشروعها في المنطقة، وذلك لما يخدم الأمن القومي للكيان الإسرائيلي، ويضمن نجاح مشروعه المتمثل في الدولة اليهودية الكبرى، وأن تكون لهذا الكيان اليد الطولى على دول المنطقة، وتأسيساً على ذلك لم يكن إسقاط النظام العميل في سوريا هدفاً للسياسة الأمريكية، كما أن حماية الشعب السوري وتحقيق تطلعاته ليست ضمن حسابات هذه السياسة أو داخل اهتماماتها.
ومن هذا المنطلق فإن السبيل إلى تحقيق أهداف السياسة الأمريكية هو إطالة أمد الصراع وإثارة الفتن الطائفية والعرقية في هذا البلد، وتأجيج الصراع الدائر فيه على النحو الذي يفتت النسيج الاجتماعي للشعب، ويدمر مؤسسات الدولة وبنيتها التحتية، ويجعل من الصراع عامل قتل للبشر ومعول هدم للمدر، علاوة على تدمير الاقتصاد والقضاء على وسائل الإنتاج واهتراء السلطة وانهيار القوة العسكرية دون أن يكون هناك بديل يحل محلهما، وذلك نتيجة للتدخل الخارجي وتفشي الكراهية ونمو الأحقاد بين مكونات الشعب الواحد بسبب الاقتتال الداخلي والتشرذم الطائفي والعرقي، وما يفضي إليه هذا الأمر من إنهاك وتفكيك هذه المكونات والعبث بهويتها الوطنية ومرجعيتها القومية إلى الحد الذي يؤدي إلى تغيير ديموغرافي على حساب الأكثرية السنية التي إذا ما اختلت تركيبتها السكانية أختلت معها المعادلة الوطنية والقومية للدولة السورية بشكل يصبح معه الفشل قائماً، والتقسيم يبدو في الأفق قادماً.
وكل ما فعلته الإدارة الأمريكية منذ اندلاع الأزمة وحتى الآن هو الإمعان في الختل والتخدير تهيئة لما يقوم به الروس من القتل والتهجير، والشواهد على ذلك لا تعد ولا تحصى، فالدعوة إلى الهدن ووقف الأعمال العدائية وتسمية الأشياء بغير مسمياتها ما هي إلا من قبيل تبادل الأدوار بين أمريكا وروسيا ومن يدور في فلكهما، بحيث يحاول الطرفان نقل المخطط المتفق عليه من مرحلة إلى أخرى حتى يصل إلى المرحلة النهائية، وذلك من خلال الهدن الخائبة، ودعوات وقف الأعمال العدائية الكاذبة والمناورات السياسية والتضليل الإعلامي والحديث عن الحلول السياسية بهدف خداع المعارضة السورية وما يُعرف بأصدقاء الشعب السوري والمجتمع الدولي مع الإصرار على الحل العسكري، وما حصل في حلب أعظم شاهد على ذلك، والمحادثات المستمرة وغير المثمرة بين وزير الخارجية الأمريكي ونظيره الروسي تصب كلها في خانة الختل والتخدير، وتؤول النتائج المترتبة عليها إلى القتل والتهجير.
والسياسة الأمريكية لها جانب معلن وآخر غير معلن فالجانب المعلن تحاول الإدارة الأمريكية من خلاله التظاهر بأنها متعاطفة مع الشعب السوري وقلقة مما يعانيه المكون السني، وتقف في الجهة المضادة للنظام، والجانب الخفي من هذه السياسة يغلب عليه النفاق والتواطؤ مع حلفاء النظام من الفرس والروس إلى درجة تتجاوز أشكال الختل والتخدير التي تمارسها الإدارة الأمريكية إلى الضلوع في عمليات القتل والتهجير التي يقوم بها الروس والفرس، بوصف أمريكا هي التي صنعت الإرهاب، وترعى المشروع الصهيوني الصفوي التدميري في المنطقة ضد المكون السني العربي ولديها الرغبة في أن تلحق سوريا بركب العراق، وأن تدور الدائرة على دول عربية أخرى.