فوزية الجار الله
جميل أن تخلع رداءك المعتاد بين الفترة والأخرى، وتدخل في أجواء مختلفة؛ لكي تتعرف على المجتمعات الأخرى، كيف ترى العالم وكيف تفكر؟ يبدو ذلك مناسبًا لإثراء عقلك ببعض المعرفة، وعدم الانكماش في قوقعتك الذاتية.. جميل أن تفعل ذلك.. لكن أنت وحظك!.. هذا ما فعلته منذ أيام لأرى عجبًا!!
سألتني واحدة: لماذا سافرتِ إلى الخارج للدراسة وقد أنهيت دراستك - من وجهة نظرها -؟ سألتني الأخرى التي لا تعرفني جيدًا، ولا يهمها ماذا كنت أدرس هناك؟ عسى أن تكوني برفقة "محرم"! وكنتُ أعتقد أن هذا هو أسوأ ما لديها حتى رأيت الجانب الآخر من شخصيتها. كانت تتلفظ بألفاظ خارجة عن الذوق والأدب في جلسة عامة، تحوي سيدات وبنات من أعمار مختلفة ما بين مراهقات وصغيرات، لم يغادرن طفولتهن بعد. كانت مفرداتها النابية أشبه بصرخات تصم الآذان، ليس لعلو نبرتها، ولكن لخروجها عن الأدب. لم يتوقف أمر هذه السيدة هنا؛ فقد علمت من إحداهن بأنني أنتمي للإعلام والصحافة؛ إذ عرفتني لها بأنني صحفية، وأثناء أحاديثها المتنوعة سألتني بالمناسبة إن كنت أستطيع تقديم خدمة شخصية لها؛ فهي تمارس بيع بعض الأشياء الصغيرة، ومن ضمنها "البهارات"، فهلا ساعدتها على وضع إعلان في الصحيفة الصغيرة الخاصة بالإعلانات عن بضاعتها؟! كنت أصغي إليها بمنتهى الحذر، وقد وضعت يدي على قلبي خشية أن تفاجئني بعبارة أخرى من عباراتها المريعة!! في النهاية تساءلت بيني وبين ذاتي: أين نقف من التعليم؟ وأين يقف منا؟ هل نال أفراد مجتمعنا نصيبهم من التعليم والثقافة؟! غادرتُ المجلس وأنا أحمد الله أنه قد منحنا العقل والمعرفة وحرية الاختيار، فلستُ مجبرة على مجالسة من لم يتعلموا بعد أدب الحديث رغم أنهم قد تجاوزوا منتصف العمر، ورغم أنهم قد أتموا تزويج أبنائهم وبناتهم، وربما يملكون قائمة من الأحفاد والحفيدات. ثم إنك تحمد الله على الصحة والعافية، وعلى أن منحك الله شيئًا من الثقافة والعلم بما يجعلك قادرًا على التمييز والاختيار.
** من أسوأ ما يصادفك أن تقرأ كتابًا بشيء من الاهتمام ثم تكتشف أنه فاقد لركن مهم من هويته. لا تدري في أي عام أو موسم أو حقبة تم تأليفه، ومن ثم طباعته ونشره؛ فهو مجهول الهوية.. يبدو التوثيق الزمني للكتاب مهمًّا، ليس لأجل التصنيف المكتبي وحسب، وإنما يبدو التوثيق أحد الأركان الأساسية المهمة للتعرُّف عليه وعلى مؤلفه، بغض النظر عن نوع الكتاب، سواء كتابًا علميًّا بحثيًّا أو رواية أو مجموعة مقالات. وقد أدهشني جدًّا أن يكون هذا الكتاب الفاقد لركن مهم من هويته هو للأديب المصري الشهير يوسف إدريس من خلال كتابه (الأب الغائب). قلتُ: يبدو العنوان اسمًا على مسمى؛ فالأب غائب، وأيضًا شيء من هوية الكتاب غائبة.