فهد بن جليد
غياب الصحف الورقية غير المؤهلة للبقاء، وغير القادرة على المُنافسة، لن يضرَّ أو يُهدِّد الصحف الورقية العريقة والناجحة - كما يُعتقد - بل على العكس سيُتيح للمُتلقي فرصة الحصول على طبعات ورقية متطوّرة، مُحددة وقادرة على أن تُشبع غروره وتُلبي طموحه، ويزيد من ارتباطه بها، مما يرفع مبيعاتها، ويضع المُعلن أمام خيارات جادة وقادرة على الانتشار والوصول والتكرار..!
كثيرون يقولون لي ولغيري بالتأكيد من (الزُملاء الكُتاب) لماذا لا تتجه للكتابة في الصحف الرَّقمية فهي المُستقبل والأسرع والأكثر انتشاراً.. إلخ؟، وحقيقة وليست مُجاملة، لدي قناعة بأنَّ (صحيفة الجزيرة) ستكون هي آخر المعاقل الصحافية التي سيجتمع فيها ا(لمحاربون القُدامى) ليودعوا آخر إصدارات النشر الورقي في الوطن العربي، وليس السعودية فقط. وهذه ليست مُجاملة لكون (رئيس هيئة الصحفيين السعوديين) أي كُل الصحفيين العاملين داخل المملكة بمن فيهم الإلكترونيون والورقيون ومراسلو القنوات الفضائية.. إلخ، هو رئيس تحرير صحيفة الجزيرة، بل نتيجة قراءة وتَفَحُّص للموقف بعِناية وتمَعُّن.
يعرفُ الإعلاميون السعوديون عن قرب أنّ (الجزيرة المؤسسة) هي من أذكى المجموعات الإعلامية في الخليج والمنطقة، فهي اليوم من تُمسك بزمام المسار الإعلامي مع طرفيه (الورقي والإلكتروني)!
فمُنذ بداية الإعلام السعودي كانت الجزيرة سبَّاقة بالتكيّف والتطوُّر والتقدم، تلبية لرغبة المُتلقي في تقديم مُنتجات ثقافية وأسرية مُتخصصة تجاوزت القدرات الورقية - آنذاك - في استشراف للمُستقبل... إلخ، وكسب لثقة المُعلن في تقديم أشكال وقدرات إعلانية ورقية لا تملكها المؤسسات الأخرى (سنُفصل في ذلك لاحقاً)، وقبل ذلك خدمة للإعلام الوطني وتطلعات القيادة السعودية، وتتضح هذه التجارب الرائدة والجريئة لـ»الجزيرة» مُنذ إصدار وإيقاف (صحيفة المسائية) التي استمرت أكثر من 18 عاماً (نوفمبر 1981م - إبريل 2001م) كجريدة وحيدة في المنطقة تلاحق الخبر في فترة الصباح والظهيرة، لتقدمه طازجاً قبل غيرها في المساء، في عصر كان فيه الورق هو الفيصل ومضمار المُنافسة الوحيد..!
«الجزيرة» انتهجت التخصص في الإصدارات قبل عصر التطبيقات الرَّقمية وبعدها، وهذه ضمانة لكل مؤسسة إعلامية ناجحة، على مؤسساتنا الصحافية الاستفادة من هذه التجربة، لأنَّها تُعطي مكانة رائدة بين وسائل الإعلام من ناحية تنوع المُنتجات، أنظر مثلاً (مجلة الجزيرة، الثقافية، الكتاب الذهبي، الإعلانية، عقاركم، سياراتكم، روج رائدة صحافة المرأة السعودية، إمكانية الطباعة حول العالم، الأخبار المسموعة، خدمة الجزيرة RSS.. إلخ) من المُنتجات التي تنوعت خلال عقود، وأثبتت فيها «الجزيرة: ذكاءها وريادتها بين صحف الوطن العربي، فقد كانت من أول الصحف التي آمنت بالتفاعل وأتاحته بين الكُتَّاب والقراء، وقدمت الخدمات الإعلامية لذوي الاحتياجات الخاصة.. وهذا بلا شك ما أكسبها ثقة المُعلن الذي سنتعرَّف على أسراره غداً في آخر حلقات هذا الموضوع.. وعلى دروب الخير نلتقي.