عبده الأسمري
الإعلام مهنة سامية ومهمة عظيمة ورسالة قويمة، وهي من أساسيات تنمية الإنسان والمكان.. ومن أهم المهن التي تلتزم بالأخلاقيات والمواثيق التي تعتمد على النزاهة والأخلاق والنُّبل، والتقيد بمنظومة من الأُسس التي يتصف بها الشخص ليكون «إعلامياً». ولأننا في ثورة معلوماتية وساحة مفتوحة، فإنّ المهنة قد تعرضت إلى دخول واقتحام عبر أسوارها لعدد من المهرِّجين والمتبهرجين، ولا أبالغ إن قلت «الفارغين»، والذين استغلوا هدوء الرقابة وصمت الرقيب ومرور الموجة، فأطلقوا على أنفسهم «إعلاميين» وكأنهم قدموا للساحة بالشهادات والخبرات، وما هم سوى ثلة من الأشخاص الذين جاءوا بشهادة الشيلات وخبرة الإنشاد وصياح القبيلة المقيتة ورداء العصبية البغيضة، مع جملة من مؤثرات الإسفاف التي صفق لها جمعٌ من مشجعيهم، يسيرون في ذات النفق الفوضوي من الفراغ والالتصاق بالمهنة السامية، مصنّفين أنفسهم «إعلاميين» مطلقين النداءات والرتب على بعضهم البعض بالمجان ودون أي اعتبار لذلك.
شاهدت برنامجاً جمع بعضاً من «إعلاميي الغفلة» منتحلي شخصية الإعلامي، وهم يوزعون الثناء بينهم والإشادة ببعضهم، ولا يقطع ذلك سوى صياح أحدهم على الآخر بشيلة جوفاء بلحن باهت وكلمات متناثرة، ثم لم يلبثوا إلا أن اصطفوا متراقصين محوّلين طاولة الحوار إلى مركاز مقهى شعبي .
ومنذ فترة وأنا أشاهد الإعلانات المنقولة عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وهي تصف هؤلاء المهرجين بالإعلاميين، بل وبعضهم يستعرض تجربته «السخيفة» وكيف تحوّل إلى إعلامي يرتاد منصات الحوار بالصياح والسفه وحتى العتة. فسألت نفسي هل يعلمون ما هو الإعلام؟ وما رسالته؟ وما قيمته؟، وهل تناسوا أنّ ما يصفون أنفسهم به أشبه براكب طائرة يصف نفسه بالطيار أو مرتاد سفينة ويطلق على نفسه ربان، وتعجّبت أنّ ما يقوم به هؤلاء تجاوز حدود المنطق وحتى الحياء من النفس، بوصف أنفسهم بلقب هو براء منهم وهم دخلاء عليه.
الإعلام شريك استراتيجي للتنمية ووجه يعكس ازدهار وحضارة أي مجتمع، وإذا ظل هؤلاء المأجورون والمهرِّجون يتطاولون على المهنة، ويتجاوزون أسوار مهنة من أسمى المهن، فإنّ الأمر خطير ونخشى من أن يذهب أحدهم إلى خارج الحدود متحدثاً وممثلاً لهذه المهنة، وهو يقوم بالرقصات والشيلات تحت مسمّى إعلامي.
أتمنى أن تجد مهنة «الإعلامي» حماية بل وتأديباً ضد كل من يتغطى بها وينتحلها مما يسيء لسمعة الإعلام، وآمل أن تحمى حماية كاملة وأن تحذو الجهات المعنية بهذا الأمر، ما قامت به هيئة المهندسين وهيئة المحامين والإدارة العامة للمحاماة بوزارة العدل، من حماية مهنتي الهندسة والمحاماة، ممن كان يسير تحت لوائها لتنفيذ وتحقيق مصالحه على حساب المهنة، الإعلام مهنة عظيمة وحرفة احترافية ومن ينتسب إليها لا بد أن يكون منتسباً لوسيلة إعلامية معروفة، سواء كانت صحيفة ورقية أو إليكترونية من المصرح بها والمشهود لها، أو إعلاماً متلفزاً أو إذاعياً أو خارجاً من بوابات الإعلام المعروفة، وأن تقترن كل ما سبق من أُسس بخبرة وممارسة، فالمحامي يظل سنوات يمارس المهنة تحت التدريب حتى ينال الرخصة، وأرى أن يخضع الإعلاميون للتدريب الاحترافي حتى يتصفوا بالمهنة حتى يتعلموا ويعرفوا ماهية المهنة وأصولها، وأن تخضع المهنة لحماية عاجلة من الوزارات المعنية وأولها وزارة الإعلام ومؤسسات المجتمع المدني والقطاعات الخاصة، أو الجهات التي توزع مسميات المهنة «جزافاً» متخطية حاجز احترام مهن من أنبل المهن ليختلط على المتلقين الإعلامي صاحب الخبرة والممارسة من المهرجين والمنشدين وشعراء الخيام، ومهابيل التواصل الاجتماعي والمرحبين في بيوت الشعر والبراري وسفهاء اليوتيوب، ليخرجوا إعلاميين أمام الشاشات وفي إعلانات الدورات وغيرها.
وعلى المتلقين من مجتمع ومن كل الفئات التي تتعامل مع الإعلام وهم كل الشرائح، أن يفرقوا بين صاحب المهنة وبين منتحل «المهنة»، وأتمنى أن توضع عقوبات وأن يتم عمل لجان تأديب للمتورطين في ذلك حتى نعكس الوجه الحقيقي للإعلام والواجهة الأصيلة لمهنة الإعلام، بعيداً عن هؤلاء الدخلاء الذي أساءوا للمهنة وغيروا مفاهيم مجتمعية تنعكس سلباً على واقع المهنة ومستقبلها.