د. حسن بن فهد الهويمل
أقول ما تقرؤون للتمثيل، لا للتقرير، وللموعظة، لا للتقصي. وموقفي من كل ما سبق هو موقف السلف الصالح دون غلو، أو صلف، أو استفزاز، أو تحزب نافي.
الشيء المؤكد أن الصحابة حَلَّت بهم فتنة عمياء، لم يكن [عليٌّ] ولا [معاوية] طرفا فيها، والمتمثلة بمقتل [عثمان بن عفان] الشهيد، والخليفة الراشد، وذي النورين، ومجهز جيش العسرة، وصاحب الهجرتين، وجاء مع القرآن.
هذه الكارثة زلزلت العقول الراسية وأذهلت كبار الصحابة. إذ كيف يتاح لغوغاء جهلة محاصرة بيت الخليفة، والتسلق عليه، وقتله، على مَسْمَعٍ، ومرأى من كبار الصحابة.
ومن قبله غُدِرَ بـ[شهيد المحراب] الفاروق، لتكون الفتنة التي كسر بابها، ولم يفتح.
إذاً هناك فتنتان فادحتان، شكلتا مهادًا لما لحق بهما من فتن أخرى، لا تقل عنهما فداحة. والذين صنعوا المكيدة هم الذين ضَخَّموا الطائفية.
[علي بن أبي طالب] رضي الله عنه، خليفة راشد، وليس كذلك [معاوية] رضي الله عنه. و[علي] أحق بالخلافة. وهو أفضل من [معاوية]. وآل هاشم أفضل من بني أمية، وقلبي، ولساني معه. ويبقى [معاوية] محتفظاً بحق الصحبة، وهو حق يمنع النيل منه، وتفويض أمره إلى من يعلم خائنة الأعين، وما تخفي الصدور.
نعم هو على رأس الفئة الباغية، ومواجهته لـ[علي] يركن فيها إلى تأويل مفضول.
إذ جعل من نفسه وليا لـ[عثمان]. والله قد جعل لولي المقتول ظلماً سلطانا. لقد تمسك بهذا الحق في مواجهة [علي]. وعندما نقول:- بأنه على رأس الفئة الباغية، فإننا لا نُسَوِّغُ لأحد النيل منه، فضلا عن تكفيره.
وعلينا أن نقرأ آية:- {وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} فالطائفة الباغية احتفظت بصفة الإيمان، وللمصلح مقاتلتها حين تبغي، حتى تفيء إلى أمر الله.
ولو أن النيلَ من صحابي بوزن [معاوية] يرفع عن الأمة ضعفها، وضعتها، وتفككها، وَهوَانها على الناس، لما ساغ لنا الكف عن النيل منه. ولو أن الله تعبدنا بالبحث فيما جرى بين الصحابة من خلاف، لما وسعنا إلا البحث. ولكن الفتنة كلها تدخل في نطاق {تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ}.
والموقف الأحكم، والأسلم، والأعدل يتمثل بالكف عما بدر بين الصحابة رضوان الله عليهم جميعا. وهم قَدِموا إلى ما قَدَّموا. والله إما محسابهم حسابا يسيرًا، أو عسيرًا، وآخذهم إما بعدله، أو برحمته. وهم إلى الرحمة، واليسر أقرب لسابقتهم، وصحبتهم.
أبناءُ السنة بهذا العِراك فضوليون، مجازفون. ولاسيما أننا متخمون بمشاكل مستعصية، حَزَّتْ آلامُها إلى العظم، ولمَّا نجد متسعاً من الجهد، والوقت بحيث نجتر أحداثاً تاريخية، لم توثق، ولم تكتب بحيادية. فـ[التاريخ] يكتبه المنتصر.
فـ[علي] الخليفة الراشد، وزوج فاطمة الزهراء، وأبو الحسن، والحسين. بإزاء [عائشة] أم المؤمنين، وابنة أبي بكر، وأحب النساء إلى رسول الله.
فماذا نقول بحق أحدهما؟.
نعم الحق مع [علي]. وأم المؤمنين لم تخرج لتحارب، ولكن الطرف الآخر أراد تقوية المعنوية العسكرية بخروجها. وهي قد ندمت على فعلتها.
وجذور الخلاف بينها، وبين [علي] و[فاطمة] مرده إلى طبيعة البشر.
فـ[فاطمة] و[عائشة] عاشتا خلافاً أسريًا، يجري عادة في كافة البيوتات، وامتد هذا الموقف إلى زوجها [علي]. الذي لم يبايع [أبا بكر] حتى لحقت بالرفيق الأعلى. وهو خلاف معتبر، إذ حصل بين فتاتين قريبتين من رسول الله. وقد حصل قريباً منه بين الرسول صلى الله عليه وسلم، وزوجاته، ساق القرآن أطرافاً منه.
و[معاوية] الذي زلت به أقلام عدد من المفكرين السُنَّة، أمثال [العقاد] و[طه حسين] و[الشرقاوي] و[عدنان إبراهيم] ومَنْ دونهم من حُثالات، ورويبضات، تعشق الأضواء، يظل محتفظًا بحق الصحبة، وكتابة الوحي.
وفتنة [عثمان] جُرَّ إليها، مثلما جُرَّ [علي بن أبي طالب] رضي الله عنه، ثم إنه في مواجهته لـ[علي] كان متأولاً، وإن كان تأوله مرجوحاً.
ولأننا نقول ماله، وما عليه فإننا لانكتم بداية الملك العضوض، والتوريث في عهده.
و[عمر بن الخطاب] الخليفة العادل، عندما أوصى بالخلافة للستة الذين مات الرسول صلى الله عليه وسلم، وهو عنهم راض. قال: يحضرهم [عبدالله]، وليس له من الأمر شيء. إن واجبنا الكف عما بدر بين الصحابة، وإن بقي في الأنفس مافيها.
والمناوئون لـ[معاوية] رضي الله عنه، يجدون مداخل مغرية، ولكنها في نظري محظورة.
فـ[معاوية] صحابي شِئْنا، أم أبينا. ومع أننا مع [علي]، إلا أن [معاوية] يظل محتفظاً بفضل يتقاصر دونه كل سلف الأمة، فضلًا عن الخلف. وهو فضل يتمناه كل مسلم، فـ[ماعِز] و[حَاطِب] و[فاطمة الغامدية] و[حسان] و[مسطح] و[حمنه] والثلاثة الذين خلفوا، كلهم صحابة مع مابدر منهم.
فلنطبِق أفواهنا على ألستنا، ولنرفع أقلامنا، ولنطو صحفنا. ولنوجه كل إمكانياتنا إلى واقع شاع فيه [الكفر]، و[العهر]، و[الإلحاد].
إنه زمن الدعوة إلى الشهادة. تماماً مثلما كان الرسول يقول لأحب الناس إليه:- قل: لا إله إلا الله، كلمة أحاج لك بها عند الله.
الأمة الإسلامية ضعيفة، ممزقة، وعليها أن تشكو إلى الله ضعفها، وهوانها على المستكبر المستبد، لا أن تتلبسها شياطين العظمة، وتفقد فقه التمكين، والواقع، والأولويات، والتنزيل للأحكام، وتسعى بنفسها إلى حتفها.
المسلمون جميعاً يلتقون على الركن الأهم من أركان الإسلام [الشهادتين]. وهذا كاف في ظل هذه الظروف لرفع كافة الملفات، والركون إلى التعايش والتعاذر.
لقد أيس الصليبيون من المواجهات العسكرية، وجنحوا إلى التحريش، والتفريق، وتجنيد الطوائف، والأعراق للاحتراب، وزرع الضغائن، والأحقاد، بحيث يفرغ العدو للغنائم الباردة.
الخاسر الوحيد في ظل هذه الفتن أمة [لا إله إلا الله] والكاسب الوحيد، من يبيع السلاح، ويستغل الطائفية، والعرقية، والإقليمية لتأجيج الفتن وإراقة الدماء، وتخويف الآمنين، وقتل العامة المسالمين. وفي الحديث:- [لا يزال المرء في فسحة من دينه مالم يصب دمًا حرامًا].
أمتنا فيما هي عليه لم تقبل موعظة من لا ينطق عن الهوى:-
[لاتعودوا بعدي كفارًا يضرب بعضكم رقاب بعض].
وما يقال عن شطحات [علم الكلام] ومقترفات الخوض فيما بدر بين الصحابة، يقال مثله، أو قريبًا منه عن خلاف المذاهب، وهذا بحر لُجِّي داخله مفقود.
الرسول صلى الله عليه وسلم صام [يوم الاثنين] شكرًا لله، لأنه ولد فيه، ومَن أحبَّ الرسول، ومَوْلِدَه، فليصم [يوم الاثنين] من كل أسبوع، فذكرى مولده تمر كل أسبوع، وليس كل عام. وتلك سنة رسول الله. لقد خصَّ الأسبوع، ولم يخصَّ العام، فإن كنا مقتدين بسنته فَلْنَفْعَل فِعْله، ولنتق الشبهات.