أ.د.عثمان بن صالح العامر
هذا العنوان ليس فكرة لمقالة عنّت في الخاطر فكتبتها، ولا هو اختزال لحوار أكاديمي دار داخل أروقة إحدى الجامعات السعودية، أعجبني فنقلته، ولا تقرير متخصص اطلعت عليه، ولا حتى نقاش ساخن تحت قبة الشورى، ولا... ولا... لكنه عنوان لدراسة نوعية متميزة ومتخصصة، تقدمت بها الباحثة ابتسام بنت تركي الحربي لاستكمال متطلبات الحصول على درجة الماجستير في الإدارة التربوية والتخطيط.
إن إسناد تدريس طلاب السنة التحضيرية لشركات مشغلة في جلّ جامعاتنا السعودية كان - وما زال - يثير الكثير من علامات الاستفهام، خاصة ما يتعلق بقياس مدى تحقق الجودة في الأداء والمصداقية في العطاء والمهارة في الأداء، وعلى وجه أخص عندما تقارن النتائج المتحققة مع التكاليف المالية الباهظة التي تدفع لهذه الشركات. وهذا ما دفع الباحثة إلى طرق هذا الموضوع الشائك بكل جدارة واقتدار.
إننا اليوم نعايش مرحلة التقييم والمراجعة، أو ما يسمى في علم الإدارة والاقتصاد بـ»التغذية الراجعة» لكل مفردات منظومتنا التنموية، وعلى رأسها ما له صلة مباشرة بالتعليم والتأهيل والتدريب للشباب والفتيات. والسنة التحضيرية من المواضيع الساخنة التي كُتِب عنها كثيراً، وما زالت حتى تاريخه محل جدال وأخذ ورد بين مؤيد ومعارض، وثالث ينتظر، ورابع يتساءل عن الجدوى، وخامس يقلقه البحث عن البديل!!
لقد أعدّت الباحثة استبانةً مكونة من (85) فقرة موزعة على خمسة مجالات، هي: العمادة وإدارة السنة التحضيرية، مصادر التعلم (المرافق والتجهيزات)، أعضاء هيئة التدريس، البرامج الدراسية، خدمات الإرشاد الأكاديمي، وتم تطبيق الدراسة على عينة من طلبة السنة التحضيرية موزعين على المسارات الدراسية الثلاثة بالسنة التحضيرية، هي: المسار الإنساني، والمسار العلمي والهندسي، والمسار الطبي. وخلصت الباحثة من دراستها التي عرضت فيها - إضافة إلى الجانب الميداني - لتجارب جامعات عربية وعالمية، كبرنامج ديفيد جيم، وبرنامج الجسر الأكاديمي.. أقول إنها خلصت إلى نتائج مهمة، أعتقد أن هذا هو الوقت المناسب للاطلاع عليها، والاستفادة منها من قِبل اللجان المختصة بتطوير العملية التعليمية في جامعاتنا السعودية.
لقد ذهبت الباحثة إلى أن السنة التحضيرية إضافة إيجابية، ومظهر من مظاهر الاهتمام الحقيقي بالتكوين العلمي الصحيح للطالب الجامعي، وهي المفتاح الصحيح لتأهيل الخريج بالشكل الذي يتواءم ومتطلبات سوق العمل، ويتوافق والمتغيرات المعرفية والتقنية المتسارعة. وأكدت الباحثة أهمية الاستمرار في إسناد تشغيل السنة التحضيرية للشركات المؤهلة التي تمتلك خبرات فنية وأكاديمية على أساس الاسترشاد بالممارسات التي حددتها الهيئة الوطنية للتقويم والاعتماد الأكاديمي. وهذا يتطلب وجود معيارية واحدة تطبَّق في جميع الجامعات، وحوكمة واضحة، ومن ثَمَّ مساءلة دقيقة للوصول إلى مخرجات إيجابية.
لا بدّ من إيجاد وثيقة وطنية، تحدد الأهداف العامة للسنوات التحضيرية في الجامعات، تغرس فيها المهارات الحياتية - فضلاً عن الأكاديمية - على ضوء معايير الجودة الإدارية والأكاديمية؛ فتطبيق التحضيرية لم يأتِ مجاراة ومحاكاة للآخرين، بل استجابة للعديد من المتغيرات المحلية والدولية، وردماً للفجوة الحقيقية بين التعليم العام والعالي.
الشيء الذي كثيراً ما أكدته الباحثة هو واجب الاهتمام بنشر ثقافة الجودة ومعاييرها بين جميع القائمين على العملية التعليمية، وإعطاء الإرشاد الأكاديمي حقه من العناية والرعاية؛ فهو مفتاح النجاح للطالب والطالبة في السنة التحضيرية. شكراً للباحثة على طرْق هذا الموضوع المهم، والشكر موصول لكل من جعل من وَكْد دراسته الاهتمام بما من شأنه الرقي بمضامين ميادين ومجالات نهضتنا الوطنية، وتقدمنا العلمي والتكنولوجي والفكري. دمتم بود، ودمت عزيزًا يا وطني. وإلى لقاء. والسلام.