علي الصراف
لو قيض لي أن أمضي يومًا في أداء عمل من أعمال التنظيف في مستشفى أو مدرسة، في دارة الخير هذه، لفعلت.
لا والله، لن أتردد. إنه شرف وبركة. وسأفعل بإخلاص شديد، وتواضع أشد.
أن تعطي يوم عمل، أو تعطي أجر يوم، أمر يعني الكثير.
عمل الخير، واحد من أهم أسس الوجود بالنسبة للمسلمين. إنه وجه من وجوه العبادة أيضًا. لا يحتاج هذا الأمر إلى شرح ولا تفسير. إنه هويتنا بالأحرى. وهو من جوهر المعاني التي تجعل المرء مسلمًا.
لا استطيع أن أحكم، من بعيد، على ما يفعله أي مجتمع من المجتمعات الإسلامية، ولكني أعرف أن هناك الكثير من النماذج المؤسسية الرسمية، فضلاً عن الكثير جدًا من المبادرات الفردية التي تجعل أعمال الخير، من قبيل التبرعات، والتطوع، والمبادرات الإنسانية المختلفة لمد يد العون، جزءًا من طبيعة هذه المجتمعات.
ولكني لا أعرف بلدًا خيرًا من هذا البلد العزيز، قيادة ومؤسساتٍ وأفرادًا، في أعمال الخير، وفي تنظيم الحملات من أجل نصرة وإغاثة المحتاجين في كل مكان.
على مدار بضع سنوات أخيرة فقط، تم توجيه المليارات من الدولارات للأعمال الخيرية. ولا بد أن المنظمات الدولية التابعة للأمم المتحدة تدرك الفرق الكبير الذي أحدثته المعونات وحملات الإغاثة السعودية، في كل أرجاء العالم، دع عنك بؤر الأزمات، مثل سوريا واليمن التي حظيت بالكثير.
هذا بلد بارك الله عزّ وجلّ به، ليس بما حباه من موارد، ولكن بما حباه من قيم، وبما حباه من قيادة ترنو إلى الخير وكأنه لا قيمة لأي شيء سواه. كما حباه بشركات وأفراد لا يوفرون فرصة لعمل الخير إلا وشاركوا فيها، أو بادروا اليها. وهناك الكثير جدًا ممن يرون أن الثراء ثراء نفس لا مال.
وثمة من المبادرات الجديرة بالمحاكاة ما قد لا يخطر على بال. منها ما يتعلق بإعادة توزيع الطعام الفائض، ومنها ما يتعلق بتدوير الملابس والأثاث المستعمل. وبطبيعة الحال، فإن منها الجمعيات والمنظمات الخيرية التي تتخصص كل منها في أداء وظيفة ما من وظائف الخدمة الاجتماعية.
ولكننا ما نزال بحاجة إلى نوع من إطار، يجعل أعمال الخير ظاهرة للعيان أكثر، وملموسة أكثر ليس لمن يقدمونها، ولمن يستفيدون منها فحسب، ولكن لمن لا يقدمونها أيضًا.
ما أعنيه، هو أن تسليط الضوء على التبرعات والأعمال التطوعية، وتحويله إلى ظاهرة مرئية، يمكنه أن يجعل ما نعتبره «هويتنا» بارزًا أكثر.
على المستوى العام، ما الذي يمنع أن نجعل لكل حملة من حملات الخير شاشة ضوئية كبيرة في إحدى الساحات العامة، تكشف، في كل لحظة ما تمت إضافته من تبرعات.
وعلى المستوى الخاص، ما الذي يمنع، على سبيل المثال، أن تكون هناك لوحة ضوئية في مدخل كل مستشفى عمومي تتضمن المعلومات التالية في الميزانية العامة:
1- كلفة الدعم الحكومي السنوي. 2- حجم التبرعات. 3- الأعمال التطوعية، من جانب: أ- أطباء. ب - ممرضون. ج - مواطنون.
ساعتها سوف أعرف، كما يعرف كل متبرع، أن تبرعه أو يوم عمله، سيظهر على شاشة اليوم التالي. كما سيعرف غير المتبرع أن واجبًا ينتظره.
وشيئًا فشيئًا، سيأتي يوم تحتل فيه التبرعات والأعمال التطوعية حيزًا مهمًا من ميزانية كل مؤسسة خدمية. بل وسيكون الأمر حافزًا، يوميًا بالأحرى، للمزيد.
وقد تسمح تلك الإضافات الناجمة عن التبرعات بتوجيه بعض المال لتطوير الخدمات أو توفير المزيد منها. وهو أمر يمكن أن يكون مكشوفًا أيضًا.
الشفافية بحد ذاتها دافع ثمين. إنها تُظهر لعامة الناس ما يمكن لهم أن يفعلوا، كما تكشف لهم عن الدور الذي يمكنهم أن يقوموا به لجعل الخير عملاً دؤوبًا ومتواصلاً، ويدرك الجميع أفضاله على الجميع.