ملكت الندى حتى عمرت يبابه
فلو كان عيناً كنت أنت سوادها
ولو كان عمراً كنت أنت شبابه
تردد معاليه الميمون الطائر في إقدامه على نشر هذه المجموعة، ولكن خوفاً منه على عاديات الزمان من فقدها، أقدم إقدام الخيال وضرب ضربات الفارس، فجمعها بين يديّ كتاب، وبين دفتي بيان، وبين ناظري تبيان، فأمتع واستمتع، وأدب، وتأدب فلله دره فلا تكلوني للزمان فإنني.... أخاف عليكم أن تحين وفاتي.
قرأت الكتاب فأعجبني سرده، وأخذ بتلالبيب العقل نصه، فناثره أديب فائق، صارع الكلمة حتى جاء على سوادها، وطوعها فطاعت، وجدت الكتاب يقول بلسان الحال، وحكم الزمان:
أنا البحر في أحشائه الدر كامن
فهل ساءلوا الغواص عن صدفاتي
وجدته مرسوماً بريشة الأدب والتربية والثقافة والتعليم والسياسة، فقد حقق معاليه أطراف المنظومة الخالدة أصعب المهن في العالم السياسة والتربية والتعليم، ثم هو يقرن في ازدواجية عجيبة بين زرع التعليم، وحصد العمل، وكما قال أحد علماء الاستشراق إذا علمت شخصاً ولم تعلمه العمل فكأنك لم تلقنه شيئاً، فالعلم والعمل صنوان متفقان كل واحد منهما متعلق بجذور الآخر، وكما فعل السدحان -حفظه الله- بدأ بالعلم الراسخ، ثم دق أطنابه بالعمل الثابت، وهذه الازدواجية الفريدة تفوح رائحتها، وينتشر عبير عطرها من خلال أسئلة الحوارات، وأجوبة اللقاءات، ألم أقل لك -عزيزي القارئ في ناصية حديثي وقراءتي لهذه الكلمات، لله دره السدحان، حفظه المولى في علاه- يعرف من أين تؤكل الكتف، بل هو شديد التحري، ودقيق الفهم، لما ترمي إليه الأسئلة المطروحة من وراء هذه الحوارات الصحفية، واللقاءات الثقافية، يا من يرى ما في الضمير ويسمع.
معاليه من هذه الزمرة المتفرسة اللماحة التي تأتي على الشارد والوارد والأخضر واليابس، فكأني بها صور استغرافية عديدة تأتي بإجابات نفيسة، ولو جمعت هذه الإجابات ونسقت لخرج منها القارئ بكتيبات صغيرة سهلة ممتنعة منها كتيب في السيرة الذاتية وما أجملها وأروعها وأبدعها بلسان معاليه، ومنها أيضاً وعلى موالها آخر في الإدارة، شجونها وحدثها وحدثيها، وجزئياتها وعموميات وكيف لا وهو الخبير المحنك والقائد المتمرس، خدم الإدارة السعودية سنوات طوال، وفترات عداد، فأبرز وبرز، وحدّث وحُدث، وخَدم وخُدم، فهو أخطبوط في علم الإدارة لا يشق له غبار، ولا كبوة فرس تُقال، وحق وحقيقية أن موج بحر الإدارة قد عصف به، فما كان من السدحان إلا مبادلته عصفاً بعصف فكان بينهما مد وجزر، غير أن معاليه قد أحب هذا العصف فكان النجاح والفلاح والصلاح، وإذا أردت أن تعرف قساوة الإدارة من لينها سل السدحان:
أنا ما عرفت سوى قساوته
فقولوا لي كيف لينه؟
ومعالي الأستاذ القدير عبدالرحمن بن محمد السدحان -يرعاه المولى جلَّ في علاه- أب مثالي روحي من الطراز النفيس، تعيش تحت ظل سربه أسرة متعاونة متفاهمة لكبيرها حق الاحترام، ولصغيرها حق الحنو والعطف يديرها السدحان نفسه، تعاضده زوجة متعلمة مثقفة تربوية عاملة منتجة، هذه الأسرة تدرك مكان عائلها معالي الأستاذ السدحان، فتبادله حباً بحب واحتراماً وتبجيلاً وتقديراً، ثم هي حريصة كل الحرص كما بدت لي مخايلها من خلال حرفيات الكتاب على دعمه كل الدعم، وعلى مؤازرته حق التآزر، ولا أخفي عليك أيها القارئ الكريم صدى مشاعري فقد شاقني حديثه عن زوجه وفلذات كبده كنت أتمنى أن أغوص في فلسفته التربوية لأثري قريحتي وقريحتك قارئي الكريم، لكن المقام ليس مقال تربية، بل هو حوار ثقافي شامل يأخذ من عريكه معالي الأستاذ الأديب عبدالرحمن بن محمد السدحان بطرف، وما كل ما يتمنى المرء يدركه.
- قراءة/ حنان بنت عبدالعزيز آل سيف (بنت الأعشى)
عنوان التواصل: ص ب 54753 - الرياض 11524
hanan.alsaif@hotmail.com