«الجزيرة» - أحمد المغلوث:
هل تغيَّرت نفسية الناس.. هل عكّرت ظروف الحياة وإيقاعها السريع والمتعب أمزجتهم وبات البعض منهم سريع الغضب، والضيق وحتى العنف في الكلام مروراً بمد اليد، لقد نشرت الصحف في السنوات الأخيرة العديد من الأخبار المؤسفة عن حدوث عراك.. ومصادمات في الأسواق والشوارع وحتى داخل الكليات والمدارس.. والغريب أن ما حدث بات ظاهرة مشتركة سجلتها الوقائع والسجلات الأمنية. أقدم عليها الرجال وحتى النساء وفي السنوات الأخيرة أيضاً راحت كاميرات الهواتف والمراقبة تسجّل هذه الظاهرة غير المقبولة في مجتمعنا المعروف عنه الطيبة وطول البال. فما أسرع ما يغضب الشاب. على والده أو والدته وإذا به يمد يده عليهما.. وكما حدث في المدارس من مواجهات وعراك نتج عنها إصابات وسالت منها دماء.. بل تسببت في نتائج وخيمة بعضها ترك.
والغضب يحدث كما هو معروف علمياً وطبياً نتيجة للإثارة والاستفزاز وبالتالي عندما يرتفع الانفعال داخل الإنسان رجلاً كان أو امرأة تزداد ضربات القلب ويرتفع مستوى الأدرينالين ... إلخ.. وعادة ينتج عن ذلك شجار أو عراك أو حتى جريمة خطيرة..! من المؤسف أن نسمع ونشاهد في الأخيار عن هذه الظاهرة التي يجب أن تعالج وبدون تأخير وأن نتصدى لها جميعاً.. حتى لا يتحول الغضب والعنف وما يترتب عليهما بعد ذلك من سلوكيات سوف يعتادها البعض من أفراد مجتمعنا. فهذا لا يأخذ حقه إلا بيده ورفع العقال وخذ يا ضرب. وسب وشتم متناسياً القيم والمبادئ والأخلاق وكل ما تعلّمه في المراحل الدراسية. وأتصور أن مجتمعنا لا يحبذ هذه الظاهرة وينفر من وجودها مهما كانت المبررات والأسباب والبواعث. لماذا يضجر البعض بسرعة ويتعب بسرعة ويلعن هذا ويشتم ذاك. فيستنزف جمال حسن التعامل والإيثار وحب الآخر.. لماذا بتنا نكره التعاون وعدم تقديم التنازلات. وراح البعض منا يركب رأسه ويضيع عليه وعلى غيره فرص لا تعوّض. أعرف أن خلافاً حدث بين ورثه ما زال مستمراً رغم وفاة مورّثهم منذ أربعة عقود وكل طرف متمسك برأيه.. وفوّتوا عليهم فرص ذهبية لو قدّم كل واحد منهم تنازلاً بسيطاً..! لحققوا من البداية مليارات لا ملايين.! مرة التقيت في الطائرة بمحام كان مسافراً إلى عاصمة أوربية من أجل إقناع أحد الورثة بأن يقدّم تنازلاً من شروطه التي أصر عليها حتى ينتهي الخصام لكنه ركب رأسه وابتعد عن إخوته وأقام في الخارج وفوّت فرصة ذهبية أتيحت لجميع الورثة. ولكنه ما زال غضبان. من أمر ما حدث بينه وبين شقيقه الأوسط..؟! ويرى علماء النفس أن الغضب أمر طبيعي يحدث بين فترة وأخرى لكنه أن يستمر سنوات أو عقوداً فهذا دليل على أن من يعاني منه طوال هذه السنوات فهو مريض ويحتاج لعلاج..
وخلال عملي في الدولة عملت تحت إدارة مدير طيب وابن حلال.. لكنه كان في لحظات استفزازه أو إثارته من قبل بعض المراجعين كان يستأذن فجأة ويقول لمن استفزه سوف أعود انتظرني! واكتشفت أن هذا المدير الطيب كان يعاني من السكر فحال شعوره بأنه بدأ يغضب، أو يثار سرعان «ما يفرك» كما يقول خوفاً من أن يتأثر أو يُصاب ويتصادم بعدها مع المراجع الذي هو في حالة انفعال وضيق وربما قد يتحوّل ضيقه إلى عنف..؟! أو ربما هو يرتفع ضغطه وقد يُصاب بجلطة؟! وماذا بعد لنا في رسولنا اللهم صل وسلم عليه أسوة حسنه فهو يقول: (الغضب يفسد الإيمان كما يفسد الخل..) وإذا كان الغضب يفسد الإيمان فهو بالتالي يفسد الحياة ويؤدي أحياناً إلى الهلاك. فكم كلمة قالت لصاحبها دعني. وتسببت في انطلاق مواجهات ومصادمات. وقاده إلى العنف واستخدام القوة. وربما الموت!