د. محمد عبدالله العوين
كثيرًا ما نسمع في بعض محطات الإذاعة والتلفزيون عبارة «الدولة الإسلامية» حينما يرد خبر عن التنظيم الإرهابي «داعش»، دون أن تسبق العبارة بكلمة «تنظيم» ودون إتباعها بوصفه بـ«الإرهابي»، فما مغزى أخذ بعض المحطات التلفازية بما يريده ويتمناه تنظيم «داعش»، وهو إطلاق صفة «الدولة الإسلامية» وكأنها حقيقة ثابتة لا تقبل الجدل أو التشكيك؟!
الحق أن أهدافاً لا تخفى في سياق عرض جرائم التنظيم بصياغات لا تستنكر أو تجرم أو تقبح أو تكره ؛ بل إنّ الصياغة الواردة في وصف أحداث إجرامية يرتكبها التنظيم، تنقلب وفق إحكام صياغة العبارات بذكاء ومهارة إعلامية محترفة عند بعض المحطات؛ وبخاصة «CNN» إلى ما يشبه الثناء المتوافق مع صفة إسلامية الدولة المزعومة!
والتماشي مع صياغة التنظيم لاسمه كما يريد ليس عفواً أو أمراً غير مقصود ؛ بل إنه يكاد يكون خطة محكمة مدروسة متفقاً عليها بين أقطاب تأسيس التنظيم وخدمه في الجانب الإعلامي بترويج صفتي «الدولة» و»الإسلامية»، لتتأكد الصفتان بمرور الوقت وبكثرة تكرارهما على آذان ومرأى السامعين والمشاهدين وكأنهما حقيقيتان لا تقبلان التشكيك أو الجدل أو النفي.
ويريد من إطلاق صفة «الإسلامية» على نفسه، ترويجه ككيان دولة مزعومة أو خلافة مدعاة، كما يريد أيضاً إلصاق كل الجرائم والموبقات التي يرتكبها بالإسلام؛ لمزيد من تشويه وتقبيح وتكريه وتنفير العالم كله من الإسلام الحقيقي الذي لا يمكن أن يقر أو يقبل ما تظهر به «الدولة الإسلامية» المزعومة، من نحر رقاب أبرياء أو تعذيب بالحرق أو بالغرق أو بالرمي من شاهق أو بالإعدامات الجماعية على أطراف البحار، حتى تختلط مياه المحيط بدماء الضحايا، وتصوير تلك المشاهد المرعبة باحتراف سينمائي وإبهار فني لإثارة الرعب وبث الخوف في نفوس من يشاهد تلك المقاطع الدامية التي تروجها ماكينة « داعش الإعلامية» والتي لا يمكن أن تنتج ما أنتجته بأداء سينمائي فني عال، إلا بمساعدة تقنية وإخراجية من مهرة متخصصين؛ مما يثير الشكوك في أنّ وراء التنظيم أيادٍ خفية تمده بالعون والمساعدة الإعلامية المتخصصة، عبر أذرعه المتخصصة في نشر توثيقه لما يقترفه من جرائم ، والغاية البينة التي يهدف التنظيم من الوصول إليها ؛ هي إثارة الرعب في العالم، وتشويه صورة الإسلام الحقيقي، بحيث يصبح استهداف المسلمين في ديارهم بحجة اجتثاث «داعش» ومحاربة الإرهاب أمراً مشروعاً لا غبار عليه، ومن خلال هذه الحجة المكذوبة التي ينجو منها التنظيم كما نرى، تدمر الديار وتخرب الأوطان ويهجر أصحابها الأصليين إلى منافي الدنيا في كل البقاع؛ كما يحدث في البلدان المضطربة التي حل بها التنظيم أو نقل إليها.
ما صلة الإسلام بما يقترفه المجرمون الذين يعلن التنظيم لاحقاً بعد ارتكاب جرائمهم مسؤوليته عن عملياتهم الدنيئة؟!
ما صلة الإسلام بدهس الأبرياء بالشاحنات في نيس أو برلين؟ أو بقتلهم عشوائياً في مطعم «رينا» بإسطنبول ليلة رأس السنة؟ أو بقتل الجالسين في مقاهي أحد شوارع باريس؟ أو بتفجير كنائس المسيحيين في مصر أو العراق؟ أو بتفجير المساجد والحسينيات؟ أو بقتل رجال الأمن في المملكة أو مصر أو الأردن؟ أو بنحر الأبرياء المستأمنين من جنسيات مختلفة بحجة معاقبة دولهم؟!
لا صلة البتة بما يرتكبه التنظيم الإرهابي بأفعال يمجها الخلق الكريم وترفضها القيم الإنسانية ويجرمها الإسلام ويعدّها من الكبائر ، فكم من آية قرآنية كريمة وردت في تحريم إراقة الدم البريء ، ونستدل بآية واحدة فقط لرفض ما يروجه إعلام «داعش» من فجور، يقول الله تعالى في محكم التنزيل {مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا} (المائدة 32).